فقه العلاقات


عندما قُدّر لآدم أن تُزهِرَ حواءُ في حياته ،، أخذت الأرض على عاتقها مهمّة رعاية هذه العلاقة وإنضاجها لتنجب لنا بأمر الله وجه البشرية. 

لم تكن حواءُ تعلم وهي التي خُلقت من ضلع آدم أنها ستكون وِعاء إهتماماته يوماً .. لم تكن تدرك أنها ستحتضن بعينيها الواسعتين أحلامهُ الهاربه .. وأنها هي من ستمنحُ فارسها أرضيّةً مُلهمة يُمارس فيها هوايتهُ في ملاحقة طرائده  وافتراس أهدافه وتلبية غريزته في نيل طموحاته. 

لطالما كانت حوّاء حاضرةً في قلب المشهد تُمهّد لآدم الأرض إستعداداً لتخصيب رُؤاه ،، لطالما حمِلت عنه نِتاج العلاقة القدرية ورعت في رحِمها ورحمتها بذور الأحلام الآتية .

ولأنها حوّاء كان حقّاً على آدم أن لا يتأخر في احتوائها ،، فهي دائمةُ البحث عن ضلعه الحاني مُلبيةً غريزتها في استجداء الأمان .. ليصل سقف مطالبها إلى" الإحتضان" كحاجةٍ تعيد لها توازنها .


وهكذا كانت نشأةُ العلاقات على وجه البسيطة ،، حلقةٌ مستمرة ومتبادلة من " العطاء والإحتياج " .. 
غريزة الصيّاد الذي يبحثُ كل يوم في وجه الحياة عن فريسة وفي عينيّ محبوبته عن شروقٍ جديد ينيرُ له درب الوصول لتحقيق رسالته على هذه الأرض. 
وعلى الجانب الآخر نرى غريزة الإحتواء تلوحُ في أفق حواء باحثةً عن الأمان ،، عن الإستقرار .. عن الجبل الذي تركنُ إليه إذا ما عصفت بها ريح الأيام. 

ما تودّ الحياة قوله لنا أن العلاقات الحقيقية في هذا العالم كالمرآه،، تلك المرآه صريحةٌ معك للغاية تُريك الجمال والقبح في ذات الوقت .. وهكذا هي العلاقات عندما تكون حقيقية تُريك الجانب المظلم والمُستنير بذات الإنعكاس.
فالعلاقة الصادقة وُجدت لتخدمك ،، لتُساهم في تطورك ورفعة وعيك .. وجدت لترتقي بك ،، وتساعدك على الشفاء. 

والآن إسأل نفسك : هل تتواجد في علاقة تخدم رسالتك ؟؟ 
هل أنت في حالة تناغم وانجذاب ،، أم في حالة تشتت ونفور؟ 
هل تذوب في العلاقة حد الإنصهار واختفاء معالم عفويتك وإنسحاق رغباتك ؟؟ 
هل ترتدي القناع مع الشريك أغلب الوقت أم أنك تتصرف بطبيعتك؟؟ 
هل تعرف قيم رفيق دربك ومدى إلتزامه بمبادئه وتطبيقه للشعارات التي يتبنّاها؟ 

كم أتلهف لأخبرك أن " أي علاقة تعطي فيها وتَبذُل،، يتعيّن عليك أيضاً أن تأخذ منها " .. لا تخشى أن تأخذ بقدر ما تُعطي .. ليس لشيء ولكن خدمةً لهذه الشراكة المقدّسة في أن تنضج وتزدهر. 

وعلى إعتبار أنك تريد أن ترتبط بطاقتك المتفردة ومكنوناتك الفريدة  بطاقة الطرف الآخر ومكنوناته المميّزة في عمليةٍ خيميائية تُنتج لكما طاقةً ثالثة مُدرَكةً بالحواس والإحساس تتضمن رؤية جديدة متولّدة عن رؤاكم وأحلامكم .. تتحرك بسلاسة باتجاة الرسالة المشتركة التي تتغذى من طرفيكما .. يُعبّر فيها كلّ عن نفسه بطريقته وأسلوبه دون أن تلغي تلك الرابطة فرادة كل منكما. 

هل يمكن لهذا أن يحدث دون العبث في رُمّانة الميزان ،، فيبقى الحُب والفضل .. مع السماح للفرادة أن تتمايز ،، ولحدود إحترام الخصيصة الجوهريةِ في الآخر أن تبرز .. دون الإنفصال عن الرؤية المشتركة .. أو تضييع الرسالة والتنازع على الرئاسة. 

هل يمكن لآدم أن يسمح لحواء أن تُلهمه وتُضفي على وعيه وعياً مُطعّماً بالحسّ المرهف والإستقراء العالي للأحداث المتدفق من الينبوع الصافي لطبيعتها الأنثوية وطاقتها الباعثة للإلهام.. والإبداع والإبتكار. 
هل يَسمحُ لها أن تصطدم بعيوبه وتقتحم غُرَفَهُ المغلقة فتُشعلُ برقّتها فتيل النور مُضيئةً برفق جانبه المظلم ،،؟ 
وهل يا تُرى تُمكّن حواء آدم من أن يستبسل في إحتوائها ،، فتُظهر لهُ براعم إحتياجها وتكشف بقوة عن ضعفها الفتّان .. وتبرع في إستمالة ضلعه الحاني ليغمرها حباً ويحتويها عطفاً. 

هل يمكن لهذا كلّه أن يحدث فنُسامح من قلوبنا كُل علاقةٍ أوجعتنا وجعلتنا نُدرك أين مكان الألم وأين ذلك الجزء الذي يحتاج للشفاء والإصلاح .. لنعي في النهاية أن في الطرف الآخر للألم طرفٌ آخر يحتوي على" الحكمة " التي تخدم تطورنا وتساعدنا على إصدار أنفسنا من جديد. 


#دعاء_العواودة 
القاهرة 








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

نزوح ..