فقه الفراغ



كم تسعنا هذه الكلمة .. وكم يحتضننا هذا المفهوم، ( يُدعى الفراغ ،، ويقابلهُ في التعبير : الخَلاء والخُلوّ والخواء ..وأحياناً الشُغُور وكثيرٌ الغِياب .

ليكونَ " رحم أمهاتنا " أول مساحةٍ خالية تحتوينا ،، وقبورنا آخرُ فراغٍ ينتظرنا .. وبين هذا وذاك ،، يظلُّ الفراغ يحيطُ بنا .. يطالبنا أن نملأه! 

في الحقيقة ،، " الفراغ ليس فارغاً " كما تظن .. إنهُ مليءٌ بك .. فائضٌ بتجلّياتك الذهنية .. مزدحمٌ بالمعلومات .. غنيٌّ بالحكمة وفيرٌ بالذكاء الكوني . 

والآن دعنا نرجع معاً إلى أصل الخلية التي تحوي في تجويفها ذرات ومساحة شاسعة من الفراغ تصل إلى 99%من حجمها .. هذا يجعلنا ندرك وكأن الفراغ هو العنصر الأساسي في التكوين وفيه تجلت الأشياء وليس العكس .. الفراغ هو الأساس وكل شيء يحدث فيه أو يخرج منه ما هو إلا تجليّات ذهنية وتصورات عقلية. 

بالحقيقة نحن نختبر في هذا الفضاء شعورنا وتصوراتنا العقلية على هيئة تجليّات مادية نحسها ونراها في أفق واسعٍ من الوعي. 

كل شيء من حولنا ليس منفصلا عنّا بل هو تجلٍ صريح لمحتويات أفكارنا ،، فها أنت ترى الزهرة كما يختبرها عقلك وتفاعلاتك الكيميائية وتجربتك .. وكل شخص يختبر هذه الزهرة من منظوره أي من وجهة نظر عقله وتجربته وتفاعلاته الكيميائية وبهذا تختلف رؤية كل منّا للحياة بحسب إدراكه. 

والآن لك أن تختار كونك " عنصراً حُراً " في هذا العالم الفسيح بين أن تتوسع أو تنكمش .. تتوسّع في إدراكك لتكون أنت " المساحة" التي تحتضن الأشياء والمجسمات أو أن تنكمش على نفسك فتحصرها في " شكل محدود" على هيئة جسد مُقيّد بالزمان والمكان ومنفصل عن الأشياء من حوله. 

 إن اخترت أن تكون ذلك (الشكل المحدود) فتنتهي عند حدود جسدك وتقف حياتك بمجرد موتك ويمكن اختصارك في بطاقة تعريفية.. فإنك ستعيش محدود الإمكانات ... وترحل معدوم الذِّكر  .

وإن اعتبرت نفسك (المساحة) التي تسبح فيها الموجودات والفراغ الذي تتجلّى فيه المحتويات تكون بذلك قد توّجت نفسك " ملكاً "في فضاء وعيك ،، تنطلق في هذه الحياة كعنصر حرّ تسابق الزمان فلا يحدّك الوقت .. وتتخطى بإمكاناتك حدود المكان فيُسعفك الكون. 

عندما ترى الحياة كفراغ تجلّت فيه الأشياء ستدرك أن الإمكانات في هذا العالم غير محدودة والطاقات الموجودة أكبر مما نتخيّل .. وُجدنا على هذه الأرض وقد كانت كصفحةٍ بيضاء مليئة بالمساحة الخالية.. مُشبعةٍ بالفراغ ،، فوهبنا الخالق ريشة الفنان لنبدع ونصنع ونشكّل بطاقاتنا الموهوبة ما نزيّن به وجه الأرض وننفع به الخليقة .

ولو تأملت وأمعنت النظر من حولك ستدرك أن كل شيءٍ أمامك قد كان يوماً ما فكرة في العقل.. كان غيوماً من الأفكار ،، وعندما نضجت هذه الفكرة تجلّت في فراغ الكون على هيئة " صور ملموسة " ..

كل ما نراه من حولنا كان قبل ذلك إحتمالات ذهنية تسبح في رحم الخيال وعندما قُدّر لهذه الإحتمالات أن تُولد وتصبح حقيقة ملموسة في أرض الواقع تمكّنا من رؤيتها. 

والآن هيّا فلتُحلّق كما تشاءُ أيها الزّاخر فما أكبر الفراغ الذي خلّفهُ هذا العالم ،، وما أكثر الأماكن الشاغرة والمقاعد الفارغة التي تشتاق لأصحابها .. هيا فلتحضر أيها الغائب أما كفاكَ هجراً للعطاء ،، هيا تعال واقتحم لحظاتك الخاوية ، إملئها بشيء يُضاف إلى تاريخك إلى قيمتك إلى وجه الحضارة التي ستحكيك يوماً . 


#دعاء_العواودة 

القاهرة 




 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

أنا وشيء من وجع