فقه السلام


 السلام ،، تلك الحالة الشعورية التي لا يمكن أن يكبّلها الزمان أو يؤطرها الحدث .. حالة غير منتظرة بل مُعاشة بكل ما للعيش من معنى. 

ولمّا أصبحت عُملة السلام تلك لا تُصكّ إلا في بنوك الوعي المُطلق ..لم أعد أنا ولا أنت وحدنا من يفتقده  .. فالعالم بأسره يفتقر إليه .

ففي أعماق سكونك الداخلي ستجد كل شيء فقدته أثناء الحرب .. مقطوعة الهدوء النادرة .. لوحة الاستغراق الفكري .. تحفة الإستقرار .. ينابيع التدفق .. مخطوطة التأمل الأثرية .. صكوك الإنتاجية .. ختمُ الثقةِ المفقود .. ألواح البصيرة .. وجه الحقيقة المخطوف .. حدائق الودّ المسوّرة.. بساتين النجاح الممتدة .. وأخيراً ستجد من أضناك البحث عنها .. ستجد يا صاحبي " نسختك الأصلية " .

ولمّا كان جهادك الحقيقي في هذه الحياة أن ( تختار العيش بسلام رغم توفر كل ظروف الحرب). 

كان قرار إعتزالك من مسار التمثيل وتقلّدك لمهام الإخراج أمراً حتميّاً .. فإن كانت الصراعات تلعب دورها في الخارج فلا يلزم أن تكون جزءا منها ..أن ترى من حولك قد إنتابهم القلق وغشيهم التوتر لا يدفعك هذا إلى أن تتوتر مثلهم.

اختيارك للرجوع حيث حالة السلام الداخلي لتنأى بنفسك عن لعب دور الضحية .. يؤهلك لأن تهزم نظام الخوف وتردعه من أن يتحكم في مشاعرك .. وتسمح لنظام الحب في أن يحركك.. هنا يمكن إعتبار السلام أولوية في حياتك أيها المخرج. 


كيف يمكن إذاً أن تعيش حالة السلام في بُعد اللحظة الخالدة ،،؟

يمكن ذلك من خلال "رفع منسوب الوعي" ويحدث ذلك على ثلاثة مراحل:

1. المرحلة الأولى : التمييز

2. المرحلة الثانية: التطهير

3. المرحلة الثالثة : الإختيار


نبدأ في المرحلة الأولى وهي التمييز ،، ما تحتاجه هنا هو أن تتدرب على إختبار أحاسيسك وتكتشف مشاعرك  من أين تأتي إليك هل تفدُك من نظام الخوف الداخلي أم من نظام الحب والدعم.

في حال إكتشفت أنها آتية من منظومة الخوف فاعمل على أن لا تقاومها ( فمقاومتها ستخلق لك المعاناة) .. لا تحاربها بل قل لها " شكراً" ودعها تعبر بسلام.

بمعنى آخر لا تقاوم قُوى المشاعر الغازية بالمواجهة الحُرة فهذا سينجب لك الحرب ،، والنتائج أرض محروقة وسماء ملوّثة.


2. تنفّس ،، نعم .. تنفّس بعمق. التنفّس سيعقّم جروحك النفسية وسيطهّر آلامك المعنويّة.. عندها سيمر رتل المشاعر المؤذية كما يمر الماء حول الصخرة الصماء بهدوء ويُسر .. 

تقنية التنفس العميق ستنقلك من حالة الهروب من الألم .. ذلك الهروب الذي يجعلك صغيراً أمام نفسك وأمام المجتمع .. إلى مرحلة " الشفاء" والنجاة بالمواجهة الداخلية .. فتختبر شعور عدم الأمان من " مكانٍ آمن" يقبع في بؤرة سلامك الخالد. 


3. خذ خياراً ،،

موقّعاً ومختوماً من مركز السلام داخلك .. خذ قراراً واعياً أنك أنت " حاكم نفسك " وأن كل ما حدث فوق أرضك كان تحت نظرك ووعيك ..

أقر أنك تعرف كل شعورٍ نازحٍ إليك وكل إحساس مغتصبٍ لراحتك ..

إعترف أنك " شمس النهار الساطعة" التي تمرّ تحتها تلك " الغيوم" العابرة التي لا يمكنها أن تستحل المكان مهما أرعدت وأبرقت فمصيرها الزوال ..

إلا إن سمحت لها أن تستقر وتتحول لفصلٍ كاملٍ من الشتاء.

في مرحلة الإختيار عليك إحتراف ذهنيتك وتدريبها على أنك أنت حاكم نفسك وملك موقفك الذهني إتجاه الأحداث ..

أنت من يقرر أن كل ما حدث من سوء وكل ما انتابك من شعورٍ سيء ما هو إلا غمامة عابرة تنبؤ عن ربيعٍ مزهر ..

فمهما عصفت الحياة في الخارج ومهما غضب الطقس .. فلن يُضر صمود الشمس شيئا.

أيقن أن في داخلك بؤرة الإعصار .. في داخلك بقعة سلام خالدة .. ومن أعماق تلك البقعة تحدد كل إحداثيات تقدمك وازدهارك ..

تذكر أن تلك المشاعر المؤلمة التي انتابتك يوما ما كانت إلاّ زواراً قد عبروك .. لن يكونوا معك إلى الأبد إلاّ إن صرحت لهم بطول الإقامة .

سيمضي كل شيء والذي سيبقى معك رصيد من " الخبرة " التي منحها لك موقفك الذهني وأهداها لك وعيك بكل ما كان يحدث معك.


#دعاء_العواودة

القاهرة 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

أنا وشيء من وجع