العلاج بالمعنى

 أن (تجد شيئاً تفعله ،، وشيئاً تحبّه ،، وشيئاً تأمل في حدوثه).. تلك أهم ركائز السعادة في هذه الحياة . 

أن تعيش " حياةً ذات معنى" لا يُعد اليوم من الرفاهيات بل من ضروريات العُمر .. إن كنت حقاً لا تحيا الحياة كما يجب فأوصيك بأن تبدأ رحلتك نحو تغيير المصير.

هذه الرحلة تسميها مدرسة الإيكيجاي" العلاج بالمعنى" .. وفيها يتم الإكتشاف الواعي والحقيقي لأسباب عيشك الفريدة وسبب وجودك الأصيل. حيث تساعدك في الوصول إلى أسباب عيشك واكتشاف هدفك وتحديد وجهتك. 

فهلاّ هيّأت نفسك للسفر في أرجاء الروح شاقّاً وجه الدروب المؤدية إليك..؟؟ هلاّ إختبرت طعم النضال من أجل نفسك؟؟.. 

سيبقى الإنسان ما بقي في هذه الدنيا يمارس دوره الخالد " كباحث " عن وجه الحقيقة ،، فمهمّته كمستخلفٍ في الأرض لا تنحصر في خلق معنىً لحياته بل في " اكتشاف هذا المعنى" الموجود بالأساس .. 

في رحلة الإكتشاف تلك ستقع عينيك على تلك القفار والصحاري الخاوية في تضاريس شخصيتك ،، تلك المساحات التي كانت تخلو يوماً من أسباب العَيش ومعاني الوجود.. تلك المساحة مجدبة الأهداف. 

ستلمس بفهمك تلك المناطق الخاوية التي أشعرتك يوماً بالوهن والإحباط،، وستتعامل معها هذه المرة بوعي وإدراك باعتبار أن ما عايشته لم يكن مرضاً عُصاب بل كان " ألماً روحيّاً " يمكن التعامل معه كظاهرة طبيعية ومفيدة لتحقيق المزيد من الرضا على مدار عمرك. 

يقول نيتشه " من يعرف السبب الذي يعيش من أجله يستطيع تحمل العيش بأي طريقة " .. 

 لم يُطلب منك في هذه الحياة أن تعيش بسلام ، بل ( أن تعيش السلام في لُجّة الصراع ) .. فصحتك كإنسان تعتمد على التوتر الطبيعي الناتج عن تعاملك مع التحديات ،، هذا ما سينجب لحياتك " معنى". 

تلك التحديات التي تُعنى بمواجهتها من النوع الذي يجعلك تحرز به تقدماً على نفسك .. فتقارن ما أنجزته بالأمس بما نجحت في تحقيقه اليوم وما تنوي توليده في المستقبل. 

أن تقارن نفسك بنفسك ولا تنشغل بمن حولك حتى لا تضطر في الإنهماك بسد الفجوة بين( ما تريد القيام به أنت وما يريده منك الآخرون ) .. حتى لا تجد نفسك أمام أزمةٍ وجوديّة تلجأ لعلاجها بقوة الشراء والإستهلاك أو المُتع الجسدية بل وتخدير الحواس الذي يؤدي بك في النهاية إلى الإنتحار. 

بنهاية المطاف أنت مُطالب في إيجاد هدفك وسبب نهوضك من الفراش كل يوم .. أنت مُطالب في البحث عن سبب عيشك ومعنى وجودك الفريد في هذه الدنيا .. كي لا تُصاب بالخواء من الداخل ولتنجو من عُصاب الفراغ قبل أن يكبر ويبتلعك. 

وقبل أن تشرع في رحلة عمرك ،، دعنا نتفق على أن " أعلى سقف يمكن أن تصل له الحريات الإنسانية هو ( إختيار الإنسان موقفه) " .. 

فلا أحد في الكون يستطيع التحكم بموقفك الذهني ،، أنت الوحيد من يختار طريق الفكر الذي ستسير فيه بمفردك. 

فما تنتهي إليه .. لا يعتمد على الحادث الذي أصابك بل يعتمد على " قرارك " وموقفك تجاه هذا الحادث. 

 مهما أصابك أيها المناضل فقرار خوضك رحلة التغيير تعني أنك تجتهد في الوصول لأسباب عيشك.. فتغيير مصيرك يرتبط إرتباطاً وثيقاً بتغيير موقفك الذهني .. وهذا ما سيساعدك على الشفاء من الأحزان والإضطرابات والكثير من الصدمات.. كل شيء يبدأ في الذهن تلك الآلة العملاقة التي تنتج لنا الأفكار الولاّدة القادرة على جلب المشاعر وبعد ذلك كل تصرفاتنا. 

وعندما نتحدث عن العلاج بالمعنى فما يهم هو " المشاعر " تلك المادة التي ينتجها موقفك الذهني ..

صدقوني عندما أدركت على مدى عمري أن المشاعر لا تُخلق بل تتوافد إلينا على هيئة " أمواج " ترفعك أو تحطّك .. فهمت ما الذي كان يحدث لي عندما كنت أحاول التخلّص من موجة الشعور بموجةٍ شعورٍ أخرى ،، كانت النتائج كارثية بمعنى الكلمة بحرٌ متلاطم من المشاعر وغرقٌ حتمي أمام هذا الطوفان. 

لم أكن أعلم كيف أتعامل مع ألسنةِ الموج حينها .. كان علي أن أنحني أمام موجات الشعور وأتقبلها لتغادرني بسلام .. فكرة مقاومتها لم تكن مجدية ..

والآن ،، عندما يزورني زائر الشعور فإني " أرحب به وأقول له أهلاً بك أيها الضيف تعال وإجلس معي وسأعتني بك ". 

مرحباً بك أيها الحزن .. مرحباً بكِ أيتها العزلة.. لن أقاوم ذاك الشعور بعد الآن بل سأدعه يمر بهدوء كما تمرّ تقلبات الطقس كل يوم . 

أدركت أن تقبّل الألم والتنفس من خلاله هو ما يجعله يتلاشى ويمُرّ ،، أما مقاومته ورفضه فهو ما يخلق سجلّ المعاناة الطويلة. 

لذا عليك أن لا تنشغل بالأعراض الطافية على السطح أثناء فترة التشافي ،، ركّز على مهمّة " تكوين التجربة " من خيوط المشاعر الفائضة وربط تلك الخيوط باللحظة الراهنة التي تحدث عندها حالة التعلم والتطوّر. 

صدقني كل تلك المشاعر الوافدة إليك ليس من  مهامها الهدم حتى وإن كانت قويّة وجارفة ،، لقد داهمتك لتنقلك من مستوى وعي معين لمستوى وعي أرفع .. جاءت لترفعك وتعلّمك .. يجب أن تدرك أن نظام هذا الكون مُهندس بطريقة تساهم في تطوّرك أيها الإنسان. 

صحيح أنه من الصعب التحكم بمشاعرنا لكن ليس من الصعب أن نكون قادرين على تحمل مسؤولية تصرفاتنا اليومية التي تشكّل " الخُلق ".. إسأل نفسك دائماً : ماالذي يتعيّن علي القيام به؟ وما الإجراء الذي يجب أن أتخذه؟  رويداً رويداً ستكتشف أسباب عيشك ورسالتك في هذه الحياة؟ 

حينها ستبرع في تحويل ( الوقت والفراغ ) إلى فرصة عمل ونمو .. ستعرف كيف تكبر وتتدفق... فنحن في النهاية ما نفعله مراراً وتكراراً .. نحنُ وجهُ عاداتنا اليوميّة. 

التكرار يخلق العادة والعادة تخلق التركيز .. والتدفق يتغذى على جرعاتٍ عالية من التركيز .. 

إنها التجربة المثالية التي يتوق الطامحون تذوقها .. تجربة التدفق تلك المُتعّة البنّاءة التي تشعر معها بأنك قد أصبحت جزءاً مما تقوم به .. فتجد أن الزمان يتلاشى من حولك وأنت مستغرق في وجْد العمل دون إنهماك أو ملل. 



يتبع..... 


#دعاء_العواودة 











تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

أنا وشيء من وجع