مهمة البحث عن كتالوجك الخاص




أتساءل إن كان الله قد أودع فينا أدوات ثمينة وإمكانات عظيمة نعول عليها في رحلتنا نحو الكمال .. هل أوجد الله يا ترى مع تلك الأدوات والإمكانات دليلاً نسترشد به لتوظيفها بالشكل والمكان المناسبين؟ 

-الإجابة: نعم

وإن لم تكن تملك بعد " كتالوجك الخاص " الذي ستُفعّل به حياتك ،، فإني أدعوك لأن تقتني واحدا .. غير أن هذا الدليل العملي لا يمكنك شراؤه على الإطلاق .. بل عليك أن تبحث عنه وتحاول إيجاده في أعماااق أعمااااق ذاااتك. 

فما حياتنا إلاّ " لعبة روحية " بِعدّة مستويات نحترفها ذهنيّا ونفسيّا، بهدف إحياء "مكنوناتنا الشخصية الخاملة " بين كل مرحلة وأخرى .. فيما يُدعى بعملية التطور، خدمةً لسموّك وارتقائك الروحي .. وهذه اللعبة لا يمكن تفعيلها بشكل صحيح إلا بكتالوج يشرح قوانين احترافها. 

فكم نخطئ حين نمارس تلك اللعبة بتلقائية وكم نعبث بمستقبلنا حين نهمل قوانينها الثابتة .. كم نفوّت على أنفسنا أيها القرّاء فرصة الإرتقاء ونحن نتخبّط في ذات المستوى لسنوات جاهلين بكيفية اجتياز مرحلة علِقنا عندها. 

فيكفينا أن ندرك هذه الآية التي يقول فيها الله عز وجل( إنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهو ) لنفهم أننا مطالبون " بتحويل ذلك اللعب العبثي إلى لُعبة ممنهجة بقواعد مدروسة " .. نجتاز فيها المراحل ونتخطى بها مستويات الروح لنصل بالنفس البشرية إلى أعلى مراتب الوعي والنضوج. 

لم يعد هناك وقت نضيّعه في هذا العالم المجنون، فكل مستوى من مستويات النجاح يتطلب منك أن تكون فقيهاً فيه عالما بقوانينه .

فالعالم من حولك يتجهُ للهاوية وما لم يكن لديك جناحين تُقلع بهما عند الحافة فمصيرك السقوط ،، السقوط الحتمي ومن غير عودة. 

سأتحدث معك اليوم عن أهدافك .. تلك التي تحكمها " أفكارك" ويحملها رأسك ،، ماذا عنها؟ أما زلت تؤمن بها .. أما زلت مستعداً للدفاع عنها وتجتهد في تحقيقها؟ 

 دعني أخبرك أن هذا كله ليس مهماً .. ما يهم حقاً هو ( القانون) والآلية التي تلعب بها لتعيش هدفك وتحصل عليه. 

وفي هذا المقال سنتناول معا قانوناً مهماً من قوانين الكون يدعى بقانون (التجلّي) .. ويحكمه قواعد معينة عليك نهجها ليتفعّل في حياتك. 

هذا المبدأ باختصار يبدأ " باستحضار الهدف " عن طريق احتراف أمرين مهمين هما ( العاطفة والذهنية ). 

يخبرك هذا المبدأ الكوني أنه يتوجب عليك كي يتجلى لك أي هدف وضعته أمامك أن:

1. " تتهيّأُ له نفسيّا  " وذلك بأن تتبنّى شعور أنك تستحق القيام (بالدّور) الذي يتطلبه منك هذا الهدف. 

مثال: لو وضعت لنفسك هدفا في أن تفتتح شركة ناشئة تدير من خلالها مشروعك وبدأت العمل عليه .. عليك وفق مبدأ التجلّي أن تتبنّى دور " الريادي" وتُشعر نفسك أنك تستحق القيام بتلك المهمة فتبدأ باحترافها ذهنيّا عن طريق " التوسّع المعرفي" في كل ما يخص ذلك الأمر .. لأن أحلامك بحاجة لاستثمار حقيقي بالمعارف ودورك هنا يتركز على التحوّل من الانتعاش بالمعلومة إلى إنعاش المعلومة بالتطبيق الفعلي والممارسة لتكوين الحكمة ومساعدتها على التجلّي .. فتجعل ذلك يظهر على ( لسانك) من خلال الكلمات والمصطلحات التخصصيّة التي يستخدمها رواد الأعمال، وتصرفاتك بتقمّص دور الريادي من خلال نمط حياته واهتماماته وإدارته لماله ونوعية الأماكن التي يرتادها والصداقات التي ينتقيها وغيرها .. 

لا بد أن تعيش الدور تدريجيّاً وبصبغتك الخاصة وأسلوبك المتفرد لتصنع لك ( هويّتك الخاصة) ذات الطابع الريادي.

في النهاية أنت لا تلعب في مضمار الحياة بدورٍ واحد وحسب بل قد تتطلب منك بعض الواجبات أن تؤدي دور الإبن البار أو الزوج الصالح أو ربما الأب الحنون .. فأنت في لعبة لا تنتهي فيها الأدوار " المهم " أن تتقن المهمة التي بين يديك بقدر استطاعتك ووفق قوانين التجلي. 

2. التخيّل : واستخدام قوّة الأفكار وطاقتها العالية في جذب الصورة التي تريد أن تكون عليها.. ولفعل ذلك عليك أن تدرك أولاً أنك داخلياً ( تملك كل النسخ الطاقية وكل الصور الذهنية لأي شخصية في العالم) ففيك أنت انطوى العالم بكل ما يحمله من أبعاد. 

لا تستغرب إن كنت تحمل صورا مصغّرة لكل ما تراه من حولك، ففيك ( نسخاً مصغّرة لشخصية الغني والفقير والعالم والجاهل والأمين والسارق والمُحافظ والمستهتر ... الخ) وفيك كل تدرجات تلك الألوان من الشخصيات ففي داخلك لا تحمل صورة الغني وحسب بل تدرجاته ( كالغني السعيد، والغنى الشقى، والغنى العالم أو الجاهل .. والغنى الكريم أو البخيل ...) إلى آخرة من تدرجات ألوان النُّسخ .. 

وأنت .. أنت وحدك من يقرر أي ( صورة ) يريد أن يكون عليها فيعيش بها ويموت عليها .. ركّز على ما تريد وأعد على عقلك عرض تلك الصورة مرارا وتكرارا .. تنفسها في كلماتك وأفعالك وتطبعها في سلوكك حتى تصبح جزءا لا يتجزأ من كينونتك.. وتذكّر أنما العلم بالتعلّم والحلم بالتحلّم. 

يحدث هذا كله في غُرف الخيال المغلقة ويتسرّب تلقائياً عبر الكلمات والتصرفات فيتلون به حديثك وتُصبغ به أفعالك ولا تزال كذلك حتى يُختم به سلوكك لتتشكل بعدها علامتك الشخصية فتُعرف ( بالصادق ) أو الكريم .. بالغادر أو النبيل،، ستُعرف بما اخترته لنفسك ووفّقته مع مبادئك وقيمك. 

3. مرحلة " التشبّع " أو التشريب ،، في هذه المرحلة ستبدأ تشعر بالإمتلاء الروحي والنفسي والسلوكي ستشعر وكأنك غدوت شخصاً آخر .. وكأنما تشرّبت تلك الصورة التي رسمتها لنفسك وملأت كل التفاصيل الصغيرة التي كانت تحتاجها شخصيتك الجديدة ،، 

وما كان هذا ليحدث لولا أنك خضّت حروباً قاسية مع نفسك جالدت فيها رغباتك وجاهدت بها راحتك حتى رفعت راية التحرير فوق أجزائك المحتلّة والمقيدة بتلك المعتقدات المغلوطة عن نفسك والأفكار المكبِّلة لتقدمك ..

تذكّر بأن كل حربٍ قد خضتها مع نفسك وكل انتصار سجّلته في ميدان التعلم قد ساهم في تطوّرك ونضوجك وهذا أسمى ما يمكن أن يحدث لك في مدرسة الحياة .. 

بإختصار؛

لأن " الهدف من الهدف ليس تحقيقه فحسب .. بل الغاية الكبرى من الهدف هو( عملية التطور) التي تحدث أثناء تحقيقه .. تبنّيك لتلك الفلسفة سيجعلك تدرك وتبحث دائما عن" القيمة "التي سيضيفها لك أي هدف تريد العمل عليه.. ستكون واعيا" لنوعية الأهداف " التي سيتغذّى عليها طموحك. 

بعد كل هذا سيصبح بإمكانك الاحتفال بعيد تحريرك من مضلّات الأوهام وقيود المخاوف وسيكون بإمكانك أن " تعبّر عن نفسك بصدق وتدفّق" يأخذ بيدك نحو التجلّي والحدوث على أرض الواقع .. هنا تكون قد وصلت للجاهزية في التوهّج وجذب فراشات أحلامك نحوك، لتخرج أهدافك التي خططت لها من رحم الخيال إلى فضاء الواقع الملموس. 

عندما تكون ممتلئاً ( بالصور الذهنية والأفكار الصحية والحوارات الذكية) ستكون جاهزاً لتعبّر بصدق عن الهوية التي تتبناها على الأرض بتدفق لا محدود يبرز إبداعاتك وطاقاتك الخلاقة. 

4. سحر الجذب ،، في هذه المرحلة ستكون (جذّاباً) لا مجذوباً.. وهنا أريد أن أستأذنك في أن ترعيني قناة سمعك لأسكب فيها شيئا من ماء الوعي الخالص يسقي زهرات إدراكك ويحثها على التفتّح. 

لو أمعنت النظر من حولك لوجدت أن كل مافي هذا الكون مصمم بطريقة ( تخدم تطوّرك ) .. الله عز وجل يريد لك أن تتعلم وتتقدم وتتطور وتتحضّر وفق ما شرعه لك من قوانين وأحكام تساهم في رفعتك ورقيّك الديني والأخلاقي والعلمي ..

وبما أن كل المصادر من حولك تتنافس على تطويرك فإنها تحت طوعك كرامةً من الله كونك خليفته على هذه الأرض .. ودورك هنا هو أن " تلمع " كجوهرة نادرة لتشدّ بذكاء انتباه تلك المصادر المطيعة من حولك .. وتصوغها كما تريد وفق أفكارك ومعتقداتك وطموحك .. 

لا حاجة لأن تذهب بذهنك إليها فلا تستنزف تفكيرك في جذب الأحداث نحوك ولا تهدر وقتك في ملاحقة الأشخاص ليعيروك إهتماما أو قيمة.. لا مصلحة لك في إنفاق دراهم كرامتك من أجل شراء احترام الناس .. إن كان من حقك " أن يوهب لك كل ذلك" هبةً دون شراء. 

وليكون لك هذا،، ما عليك إلاّ أن (تعمل على نفسك) فتثمّن الكنوز التي تمتلكها وتننقّب في أعماقك عن الدليل الذي تفعّل به مكنوناتك الشخصية الخاملة .. عليك أن تملأك (بحب الله وطاعته) وتجدك بين ثنايا العبادات العظيمة .. عليك أن تتدرّع بالعلم النافع وتطبقه في حياتك لتتخمّر في داخلك الحكمة التي ستجلب لك كل خير بعدها .. عليك أن تدرك قيمة المواهب المكنوزة في رصيدك فتكتشفها ثم تثمّنها وتنمّيها) 

لا بد أن تقتنع أنك أنت " المصدر" الذي تنجذب له الأشياء وتدور في فلكه.. وليس العكس 

كن واعيا في المرات القادمة ألاّ تكون إحدى ضحايا الجذب الذين يلهثون وراء أحلامهم ومطالبهم فيطوفون دون وعي منهم حول رحمة المصادر الخارجية التي يرون فيها القوة.. فيصارعون من أجل جلب تلك القوة لمحيطهم ظنّا أنها هي من ستسند أهدافهم وتحققها وإذا ما فشلوا في سحب تلك الطاقة اعتبروها القوة التي ستسحقهم .. فيشعرون باستنزاف قدراتهم وهدرها معتبرين أن هذا قتالاً مشرّفاً فيمارسون بدون وعي (دور الضحية) المنهِك . 

ما عليك إدراكه أنك أنت " المنبع" الذي تنجذب إليه هدايا الكون المتعطشة للعطاء.. أنت المغناطيس الذي تنجذب إليه المعادن الخادمة .. أنت المرجع الذي تعود إليه الطاقات الشاردة فكن مستعدا لاستقبال هذه الوفرة بمجرد امتلائك بالقناعات الخادمة والمزايا الهادفة والانشغال بتوهجك علميا ونفسيا وعقليا. 

        " إعمل على نفسك وكل شيء يأتيك تِباعاً " 

                       توهّج فهذا يليق بك




#دعاء_العواودة 

#القاهرة













تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

أنا وشيء من وجع