في البيع .. أنت قبل العميل

 


لطالما تربينا في استراتيجيات الإدارة على ثقافة " العميل أولا " عندما يتعلّق الأمر ببيع الخدمة أو المنتج .. وقد تم تأسيس هذه الثقافة مع كِبَر الأسواق واشتداد المنافسة وازدياد الاقتتال البيعي بين المنتجين.. حتى أصبح كسب العميل وإغراؤه واختطافه من بين أنياب المنافسين " المهمّة الأولى" لكل من تحدّثه نفسه أن يدخل السوق .. أصبح التسويق حربا والعملاء أسرى حرب وأصحاب الشركات مقاتلون على كل الجبهات .. بتنا نتصارع في بحرٍ من الدماء والرابح هو تلك الحرب الاقتصادية الطاحنة. 

دعونا نتناول في هذا المقال " فلسفة البقاء " بغض النظر عن مشروعية القتال الدائر من أجل كسب لقمة العيش .. أنا هنا معك لنقلّب الأفكار سويا ولنستخرج العِبر ولننضج بما يكفي لنفهم ما يجري من حولنا. 

دعنا أولا ننظر للبيع من جانب تأملي .. سنرى معا صورة عجيبة وواضحة للطبقات المكوّنه لتلك العملية التي تقوم عليها حياتنا منذ الأزل ،، ولو اخترقنا الغلاف الظاهري لعملية البيع لقشعنا تلك الطبقة الداخلية في النفس البشرية التي " تُحرّك" عملية البيع الظاهرية في العالم.

فماذا يوجد يا تُرى أسفل طبقة الغلاف الظاهرية لعملية البيع؟ من يمعُن النظر سيجد في العمق جذور " العاطفة " التي تُحرّك كل صفقات البيع من حولنا مهما تعاظم حجم تلك الصفقة أو صَغُر .. 

فالبائع الناجح يريد أن " يُعطي قبل أن يأخذ " .. يُعطي (القيمة) التي خمّرها وعمِل عليها .. ليبيع منتجه من مكان إيمانه بما يبيع وليس من باب " نجاته" في التخلّص مما بحوزته ليكسب المال ويعيش. 

ففي كلتا الحالتين هناك من سيقبض المال من باب (الإيمان بالشيء) .. وهناك من سيقبضه من باب (النجاة من الشيء) .. في النهاية العاطفة هي من سيتحكّم في تلك العملية وهي من سيحكم على نظام البيع ككل بالاستمرار أو بالفشل. 

وإذا ما أتينا للمشتري لوجدنا أن المشتري الواعي يُريد أن " يأخذ قبل أن يعطي" عكس البائع المؤمن بما لديه والذي يتطلع للعطاء قبل الأخذ وذلك لارتفاع مستوى إيمانه بما يقدم من قيمة تسدّ فجوة الاحتياج عند من يطلبها. 

أما ما يُحرّك المشتري لاقتناء المنتج فهو " الجوع " سواء كان جوعا معنويا أو ماديا .. حيث تنغزه عاطفة الاحتياج طوال مشوار عمره لكي يقتني ما يسد جوعه العاطفي ويرفع من قيمة وجوده على هذه الأرض ويزيد من لمعانه وبريقه وليبدو جذّابا ومقبولا من نفسه ومن الآخرين. 

هذا المشتري بغض النظر عن طريقة تسديده لديونه العاطفية فهو لا يدفع مقابل المنتج إلا إذا وجد " قيمة " حقيقية تضيف له من وجهة نظرة .. فهو لا يدفع قبل أن ( يأخذ ) ما يحتاج إليه فيُنهي حسابه العاطفي بشكل خاطف قبل أن يهمّ إلى محفظته ويتمم المرحلة الظاهرية والشكلية لعملية الشراء. 

لذا ،، إن كنت بائعاً مؤمنا بما تقدمه من قيمة فتلقائيا سيأتيك المشتري الجائع والباحث عن تلك القيمة والمقدّر للمنتج أو الخدمة التي ستسدُّ فراغ احتياجه. 

خلاصة القول ،، إن ما يحدث في أروقة السوق أعمق بكثير مما ترى أيها البائع هناك قوى داخلية تتعسكر في أنفاق النفس هي من تدير سوقك وسوق غيرك .. لذا عليك أن تكون مدركا لما يحدث حولك .. وأنصت لما سأخبرك به : في حقيقة الأمر " أنت تعطي ما لديك لتستقبل العطاء الآتي من المُحتاج الذي طرق بابك باحثا عمّا يكمّلُه" .. لا بُد أن تستشعر أن الذي أمامك ( يُسدّد لك الدّين ويُعبّر عن عرفانه لك على هيئة " نقود") فأنت من سددت جوعه .. لا تشعر ولو للحظة أن من قصدك جاء ليتصدّق أو يتفضّل عليك. 

وتذكّر أن من يقصدون السوق هم جموع الجائعين الذين يبحثون عمّا يسد رمقهم .. وأنت أحد مقدمي الزاد في سوقٍ مكتظ ،، وما سيجعلك مميزا ومسموعا وسط كل هذا الزحام والضجيج هو " صوتك الصادق وإيمانك الكامل بالقيمة التي تقدمها ".. لذا لا تقدم تنازلاتك سريعا لتشحذ اهتمام العملاء وتستعطف قلوبهم لاقتناء ما بحوزتهم .. تقدّم بثبات وقدّم أجود ما لديك بأسلوبك الخاص .. واسمح لروحك أن تعبّر عنك على هيئة منتج .. هكذا تُستقطب الأرواح. 

صدقني ،، إن دخلت أبواب السوق بهذه العقليّة وهذا الإيمان ستؤسس لأعظم أصولك على مدى التاريخ .. ستؤسس " لصوتك وسمعتك" التي ستجلب لك كل خيرٍ بعدها. 

إذا لم تقدّر نفسك فلن تكون قادراً على تقدير العميل، ستنظر إليه على أنه " آلة دفع " وليس المستفيد .. 

لذا في " البيع " إعمل على نفسك أنت قبل أن تتعامل مع العميل. 


#دعاء_العواودة 

#القاهرة 





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

أنا وشيء من وجع