المنعطفات الذهنية وضياع الوجهة

هل تصدق لو قلت لك أن كل هذا الكون من حولك يُخدّم على " أفكارك".. وأن مهمّته الأصيلة هي إعانتك على صياغة شكل حياتك من خامة الأفكار والظنون التي اشتريتها يوما من دكان خيالك ذو الموارد الهائلة واللامحدودة ..

هل تصدّق لو أخبرتك أن هذا الدكان الذي اشتريت منه خامات عقلك الفكرية باعك تلك الخامات مجاناً مهما كانت تبلغ تكلفتها حينذاك. 

فتخيّل معي لو أنك صدّقت بفكرة أنك " ستنجح " في أي أمر من أمور حياتك وآمنت بتلك الفكرة حد الإعتناق .. ما الذي يمكن أن يحدث لك؟ 

ما سيحصل هو أن كل الظروف من حولك ستعمل للتصديق على هذا المعتقد وخدمته وتمكين حدوثه بغض النظر عن وعورة الطريق وشوك التحديات الموصلة إليه.. وللأسف فإن العكس أيضا صحيح في حال اعتقدت أنك " ستفشل" . 

كل شيء حولك وداخلك أيها القارئ يدور حول الأفكار فيخدمها بطريقة مذهلة في محاولة لمجاراتها والاتساق معها.. لِما للأفكار من قوة مذهلة قادرة على أن تجذب وتجرف في طريقها كل ما يجعلها تتأكد وتصبح حقيقة.

ولأنك " المخرج " الأول لمشاهد حياتك .. والكاتب الأوحد لسيناريو أفكارك  ،، عليك أن تنتبه للفكرة التي تعمل على إخراجها واعلم أن الكون من حولك سيعمل معك على مجاراتها لتخرج في بث حيّ على شاشة حياتك كما أردت لها أن تكون باعتبارك مخيّر في هذه الدنيا ضمن حدود صلاحياتك.

فانظر لعلاقتنا مع الله كيف تقوم على " الظنّ " الذي يؤول في النهاية لمعتقد راسخ يضاهي رسوخ الجبال الراسيات ،، واسمع لقوله تعالى في الحديث القدسيّ :(أنا عند ظنّ عبدي بي فليظن عبدي بي ما شاء ) هكذا يُرسم شكل العلاقة مع الله .. بما تحمله من أفكار حول خالقك ومصوّرك فإن عرفته حقّ معرفته وظننت به خيراً آتاك خيرا من حيث لا تحتسب. 

كم هي حساسة وخطيرة تلك (المادة الظنيّة ) .. وكم يستسيغها عقلنا البشري بطريقة عجيبة ويصيغها في أحداث حياتنا بطريقة أعجب ،، فما أن تُلقى بذرة الظنون في تربة عقلك الواعي حتى تضرب لها جذرا في عقلك الباطن  ..

لتصبح تلك البذرة مركز كونك التي يدور حولها كل شيء يخصّك .. تلك الأفكار أشبه بالمجرات التي تحوم حولها وتنجذب إليها الكواكب والنجوم .. فيطوف في فلكها كل أولئك الأشخاص المتواجدون في حياتك والمواقف التي ترتّب فيها قصّتك وكل الماديات التي تملكها .. فكل ما تراه يدور في مدارك لم يوجد عبثاً بل هي هناك لتُخدِّم على إرادتك واختياراتك حيث أن منشأها الأصيل هو حفنة الأفكار تلك التي أطعمت بها عقلك. 

وفي مختبر الحياة تصدّق التجارب الإنسانية هذا المدلول .. فحوله تدور حكايا الناس وقصصهم ،، بداية من قصص الفشل إلى حكايا النجاح .. وإن أتيت لأذهان أصحابها وقُدِّر لك أن تكشف عن مكنونها لوجدت أنها ترتكز على (الظنون) في هيئة أفكار حوّلت حياتهم إلى الهيئة التي تراها. 

والآن ،، ما شكل الأفكار التي تُطعم بها عقلك كل صباح هل لازلت تستسيغها أم أنك تطمح لأن تجوّد غذاء فكرك بظنونٍ صحية وأفكار نافعة تستصلح بها تربة اعتقاداتك عن نفسك وعمن حولك .. ليتّسع مجال إدراكك وتتغير طاقة مدارك الذي تسبح فيه كل الأشياء والأحداث والأشخاص  فتجذب لوعيك المتعافي أصنافاً أخرى من البشر يخدمونك في رحلة الوصول .. وتشدّ إلى فلكك الأحداث الحاضنة لأحلامك الكبيرة .. وتقرّب إليك كل ما كنت تشتهي إمتلاكه ،، صدقني إن أردت كل هذا وأكثر فما عليك سوى أن تغيّر نوعيّة بذورك الفكرية والتي لن تكلّفك أي شيء على المستوى المادي لكنها ستجلب لك كل ما تريد بحول الله وقدرته. 

إن أردت لنتائج حياتك أن تتغيّر فإني أدعوك لأن تغيّر طريقتك في التعاطي معها .. وأنا لا أقصد هنا طريقة تأديتك لدورك في المشاهد التي عليك أن تمثّلها .. لا لا بل أقصد هنا أن تغيّر طريقة تفكيرك وتناولك للمعتقدات التي تغذي برامجك الذهنية .. وأول ما تبدأ به هو " فكرتك عن نفسك" غيّر تلك الصورة التي تستيقظ كل يوم لتأكّد عليها وتثبّتها .. انظر لنفسك كما أراد الله لها أن تكون في الصورة التي تليق بعبدٍ مطيعٍ لمولاه .. كن بجوار القوة التي لا تقهر وجاري إرادة ملك الملوك واسبح مع تيار الاختيار الذي اختاره لك الله فيكفي ما استنزفته من عمر وجهد وما قاسيته من آلام حين قررت أن تسبح يوما بعكس تيار الكون وسننه الثابتة. 

فلتلحق بركب المبحرين نحو الله ولتُحسن ظنّك بالإله ولتتخيّر لنُطفِ أفكارك ما يُنجبُ لك ذلك الغد المشرق. 


#دعاء_العواودة 

#القاهرة 








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

أنا وشيء من وجع