موضع ألم ..



واعلم ،،

أن موضع ألمك هو موضع ازدهارك ..وأن أوجاعك تلك هي الأرضية الخصبة التي ستتولى مهمة " بعثك" من جديد.

فهاهي حياتك قد صممّت لك وحدك بطريقة تخدم تطورك وتساهم في نشأتك مهما بدوت راشداً .. تتهندس كل الظروف من حولك لترتب لك اللقاء مع "معلّمك" الذي يأتيك على هيئة دروس يؤديها لك أشخاص ومواقف تُخبرك كم (حجم الخبرة ومقدار التغيير) الذي ينبغي أن تجريه على نفسك كي تجتاز معها مرحلة الوعي الحالية 

فيظهر لك " اللّص" بوجهه الحقيقي تارة ومتخفّياً تارةً أخرى على هيئة صديق مسرفٌ في خطفك من أحضان عائلتك.. أو يتمثل لك بهيئة (هاتف) يعرف كيف يسلب عقرب ساعاتك ليمرر منها ما شاء .. أو ربما على هيئة حلم موهوم تلاحقه كالسراب ظنا منك أنه الشرابٌ الذي سيروي عطشك.. وفي لحظة وعي منك تدرك كم كان يلزمك أن تبقى متيقّظا للمكر المُحاطِ بك فتوقف بحزم كل اختراقٍ يهدرك. 

ويتناوب عليك المعلّمون لتفقه معهم قوانين اللعبة وأسرار الحياة ،، وليعلب معك هذه المرّة " شبحُ الهزيمة" وعفريت الفشل الذي يتربّص بك الدوائر عند كل قفزة تغيير نوعية تنوي القيام بها .. فتأتي الهزائم بشكلها الصريح مرات .. ومرات أخرى تأتيك مقنّعةً على هيئة "نجاحٍ مزيّف" تركنُ إليه وعليه بقية العمر فتظن أن هذا هو آخر انتصاراتك وأنه قد ولّى زمن فتوحاتك .. فتذوبُ همّتك ويخفت نبض عزمك ظنّا منك أنك قد أديت رسالتك.. وما عليك الآن سوى أن تلحق بطابور المقعدين عن العطاء قبل أن يمرّك قطار الموت ..

وفي لحظة وعي منك تدرك أنك ما زلت نهراً وأن ما ارتطمت به لم تكن صخوراً تُحِدُّ من تدفقك بل كان ما ارتطمت به بحراً ينتظر أن تصبّ فيه رحيق خبرتك وخلاصة تجاربك لينهل منها صيّادوا المعرفة ويغرف منها الباحثون في بواطن العلوم عن دُر الفهم المكنون.. ولتدرك أيضا أن عدم تأهّلك لتخطّي المستوى الذي أنت عليه " ماليا أو اجتماعيا أو دراسيا" لم يكن بسبب أنك لست كفؤا أو لأنك لا تستحق الفوز بل لأن الحياة تريد أن تخبرك أن هناك شيئاً ما في " داخلك لم ينضج بعد" ويحتاج مزيداً من التطوّر والنمو... تريد أن تخبرك أن عليك النضوج بما فيه الكفاية لتسمح للمرحلة الآتية من الحياة في قطفك وضمّك لمستوىً أعلى وأرفع..

صدقني ،، سيأتي الوقت الذي ستجني فيه ثمار سعيك إن أنت (استجبت) وفقهت الدرس وسمحت لتجربة "التعلّم" أن تحدث داخلك متحمّلاً كل آلامها وأوجاعها المبشّرة بأن هناك شيئاً في داخلك بدأ يكبر وينمو .. وفي المقابل فإن شيئا قديماً وبالياً بدأ يُهدم ويُردم.. لا تقلق من رائحة الحرائق المتصاعدة من صدرك عند تلك المرحلة فثمّة معارف بآلية وذكريات مؤلمة تحترق .. وعلى القطب الآخر من مرحلة التطهير تلك جزءٌ منك بدأ يضيء ويشرق بعد أن صقلته الدروس. 

لا تعجز أيها البطل من قسوة التجربة وضيق درب العبور فبعد كُل هذا فُسحةٌ للنفس ونزهةٌ للروح .. 

تخيل معي لو أن دربك كالحرير لا تنبت فيه أشواك الصِّعاب ... وغابة شعورك هادئةٌ لا تنعِق فيها غربان الأحزان .. فكيف  ستجرّب حينها مشاعر الفرج بعد الصبر .. وطعم الفرح بعد مرارة الأحزان 

تخيل لو أن سماءك لم تتلبّد بالغيوم ،، ودروبك لم تلطّخها الوحول.. فقلي بربك ما الذي سيعلّم  قلبك روعة الإغتسال وروحك طُهر الإرتواء

تخيل لو أن حروب الهوى لم تقرع طبول صدرك ،، ولم يخض قلبك معركةً أو يحمل سلاحا في حياته .. فمن أين ستأتيه رصاصة العشق المسموح  

تخيل لو لم يكن هناك انتظار ،، ولم يعد في قوائم الحياة أرواحٌ غائبة .. كيف كُنا حينها سنشتمُّ عبق اللقاء ورائحة الأرض  بعد شتاء الإغتراب ،،

تخيل لو لم يكن هناك أقفال وكانت كل الأبواب مفتّحة وكل اللقاءات متاحه وكل المذكّرات عرضة للقراءة 

تخيل ،، لو أن أمنياتك حاضرة وطلباتك حاصلة وجمائلك مردودة ،، ووتيرة عمرك مستقيمة

تخيل لو أن الشوق لم يهزمك ،، والحنين لم يفتك بنبضك يوماً 

قلّي بربّك هل تُعِّدُ نفسك حينها حيّاً ؟!! 

صدقني ..

إنا ما وُهِبنا الصِّعاب لنشقى .. بل " لنكبر " .. لنعلو في المدى .. ونصفو كالندى ..لنُخرِج من جعبة أرواحنا ذخائر الشجاعة ،، ونجرّب التعاطي مع الحياة بجروح "  مكشوفة  " ..

فإرجع  ،،

إرجع أيها النازح إلى معسكر نشأتك وتقبّل أوجاعك كما هي ثمّ قبّلها .. وتذكّر أن الألم لا يُقاوم بالألم  .. كي لا يُحال إلى معاناة طويلة

إرجع فكم تشبه جروحك البليغة شقوق الأرض حديثة العهد بفأس فلاح  لا يتأخر عن زراعتها ليحيلها إلى بستان

إرجع لجراحك وتعاهدها بالعناية بعد أن تُودع فيها بذورر تجاربك ثم ائذن لها بأن تنمو وتكبر من ذات الموضع الذي ذبحت منه يوما. 




#دعاء_العواودة 

القاهرة 







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

أنا وشيء من وجع