شيفون التغيير


نعم ،، عندما يتعلق الأمر " بالعاطفة" التي تحكم آلية عمل التغيير فإني اختار لها أن تكون شيفوناً ينمّ عن مدى الرقة والعطف والمرونة التي نحتاج إليها في تحريك وتحديد وجهة مركب العمر الذي سنبحر فيه نحو رحلة التغيير. 

كم يروق لي هذا التعبير عن " التغيير"،، فبقدر ماهو ثابتٌ هذا المتغيّر إلاّ أننا كثيراً ما نتزعزع أمامه. 

" التغيير : هو الشيء الوحيد الثابت في هذه الحياة "

ولكي نمتلك تلك النزعة من الثبات في مواجهته .. علينا أن نفهم آلية عمله في حياتنا وكيفية تأثيره على أرواحنا وأذهاننا، علينا أن نصمم له سلاحاً من ذات المادة التي يواجهنا فيها. 

في البداية ،، دعونا نعي أن أي حادثة تغيير تباغتنا تصطدم أولا بخط الدفاع المستنفر دوما لحمايتنا .. والمتمثّل " بجسمنا العاطفي " ذلك الدرع الذي يتلقّى عنّا الضربات ويتحمل بالنيابة عنا مزاج التغيير المتقلب والحاد" .. فعند حدوده تبدأ المعارك ولا تنتهي إلا في قلب عاصمة الوعي .

فمن هناك تنبثق عملية التحوّل الداخلي ،، ومن مدارج العاطفة تُقلع عاصفة التغيير.. لنصل إلى قناعة مفادها أن (النقلة في أي عملية تغيير تتمثّل بالنقلة الداخلية للحالة العاطفية) والتي تخلق بدورها بذور " الوعي" المثمر .

 فكما أن الأحداث من حولنا والظروف التي تحدّق بنا تلعب بمؤشرات مشاعرنا وتضع عاطفتنا على المحك،، نحن أيضاً يمكننا أن نلعب ذات الدور فنصبح نحن من يتربص بالظروف ويستعد للأحداث ويصنع ردات الفعل من ذات المادة التي يلاعبنا فيها التغيير .. بتلك " العاطفة " .. المرنه .. الشفافه والمرهفه ، سنحارب على أوسع نطاق ،، لننهي عصر الاستعباد النفسي ولنهزم زحف الأفكار المرجفة .

والآن ،، هاك أيها المحارب هذه الجعبة من نِبال الأسئلة :

وقبل أن تخوض معترك التغيير إسأل ما هو الشيء الذي تريد أن تعلمني إياه تلك التجربة ؟؟

لما أنا هنا في هذه الظروف؟ ولما ألتحقُ بهذا العمل؟ لما أتواجد في هذه العائلة؟؟ وأنتمي لتلك البيئة المدروسة بكل نسبها الطاقية ومستوياتها الروحية؟ 

إسأل نفسك لماذا اختار الله لك أن تتعاطى مع هذه الظروف من حولك بتلك " المُدد والكميات ومستويات الضغط ومساحة التقبل وكمية الحب"..؟؟ 

إسأل "سؤال التغيير " الحاضر في كل حوادث الزمان ( ماالدرس الذي يريد أن يعلمني إياه هذا الحدث على مستوى الوعي والذهن؟)

وتذكر أن الله قد وضعنا في بيئات مختلفة وظروف متباينة لنختبر تجاربنا ونطوّر في دواخلنا مهارات التعاطي مع الحياة المصممة لنا كل حسب وضعة لنخرج في النهاية بشخصية منحوته بإبداع وخلاقة بكل ما تحتويها من ندوب وتعرجات وانحناءات تبرز الجمال الناتج عن خوض رحلة التغيير.

آهٍ .. لو يعلم الانسان أن كل ظرف مر به في دنياه قد كان بحاجته ليتطور ويرتفع بمستويات أدائه ضمن  لعبة الحياة .

آهٍ .. لو تُرعِي أيها المرء سمعك للحياة وتنصت .. لعلمت أن ما تريد إخبارك به هو أنك في " المكان المناسب " وما عليك سوى أن تضخّ طاقتك من الموقع الذي تتواجد فيه حاليا .. فالظروف جدا مواتيه لتعبّر عن نفسك بأقصى ما تملك.. ومن ذلك المكان الضيق والصغير يمكنك رسم صورة مستقبلك الكبيرة.

فها هي الظروف من حولك قد اتحدت واتسقت بعبقرية لتساعدك على بناء وتشكيل معالم الشخصية التي يلزم أن تكون عليها .. لتتوّج حاكما على عرش المرحلة الجديدة من عمرك .. فلا يعقل أن تنتقل لمنظومة الحياة التي تريد .. بذهنيتك القديمة .

صدقني النقلة التي تحتاجها لإحداث عملية الانتقال والتغيير تبدأ من مدارج " الخيال " الذي يتغذى على العاطفة. 

ولتعلم أن أقصر طرق التغيير تبدأ من عالمك الذهني (الخيال) فهو يمنحك فرصة التطبيق السريع على أرضية الواقع المادية والمحكومة ببعديّ الزمان والمكان .." فواقعك يتشكل وفقاً لماهية ونوعية بصماتك الذهنية". 

كن مدركاُ بأن التغييرات السيكلوجية الحقيقية تبدأ بالذهن ذلك الملعب الكبير الذي يتسع لكل اختباراتك وتجاربك الخيميائية وعمليات التنقيح والفرز والتطوير .

ولمّا كان عالمنا المادي محكوم ببعديّ الزمان والمكان  ... احتاجت البذرة لفترة من الزمن لتثبت نفسها وتنبت .. لقد احتاجت للمساحة كي تخلق تجربتها وتختبرها... ومن حسن حظنا أن عالم الوعي والذهن غير محكوم بهذا البعد .. فأنت هناك حر طليق لا يقيدك زمان ولا مكان في تلك الفسحة الشاسعة تصمم ما تشاء وتجرب ما تريد وتقابل من ترغب فيه .. أنت هناك الملك الذي يملك تغيير المعطيات بسهولة واللعب بالنتائج بسلاسة  .. تختار بحرية نوع العاطفة التي تريد أن تكون عليها وتنتقل ببراعة بين ترددات الشعور.

ستدرك أن عالم الوعي أقوى بكثير من عالم المادة المؤطر بأبعاد الزمكان ،، ولأن وعيك أغلى من اليورانيوم يلزمك أن تعتني بتخصيبه لينتج لك قنابل أفكارك الذرية  ..

ونصيحتي لك قبل أن تجرب : "لا تدخل مدرسة الحياة بوعي طالب ، لأن هذا سيؤخّرك  .. أدخل الحياة بوعي المعلّم لنفسه ..بمقعد طالب " .

هناك على مدرجات العلم تحجز المقاعد لا " العقول " .. دع  فكرك حرا ... أطلق له العنان ليتعلم ويعلّم ، فلو قُدّر لك أن توضع في سجن بحجم جسمك لاستطعت أن  تقلبه برأسك ليكون أساس حريتك ولصنعت منه أداةً لاختراق أبعاد روحك بأكملها .

فالتغيير يا صاح ،، يتطلب شخصاً حراً .. لا عبداً فكرياً يربط حادثة التغيير بعوامل خارجية وأحداث كونية .. شخصاً لا يجعل من الخارج "سلطاناً " على قراراته.

الحرّ .. يدرك باكراً أن التغيير رحلة مستمرة وليس مرحلة مستقرة .. يوقن أن التغيير احتراف دائم للذهنية  .. فتجده لا يسمح لأي متحكم خارجي أن يتولى مسؤولية توزيع وقته وتقسيم شكل حياته .. فهو سيد نفسه يختار أن يعيش الحياة بنوعية الأفكار التي تناسبه ومقادير الدعم التي يحتاجها ونسب التحديات التي تتطلبها إنجازاته .. فهذا الحر واعٍ لمدى فرادته وتميّزه فما يناسبه لا يناسب غيره. 

" اختيارك للحالة التي تريد أن تكون عليها هذا هو: التغيير" 

قد لا تستطيع تغيير الاشخاص من حولك أو الأوضاع التي أنت عليها لكنك حتما تستطيع أن تبدل " حالتك الذهنية " وهذا ما سيقودك لتحديد اختياراتك وبالتالي تغيير طريقة اختبارك للحياة من جديد ..  مما يؤدي لإعادة توجيه ترددك الموجي ومنحنى تعلمك وأثرك .. سيختلف عندها كل شيء يلمسه هذا التحول . 

ببساطة انت لا تحتاج لتغيير الاحساس بقدر ما تحتاج لتغيير " الحالة " التي تختبر منها هذا الاحساس ،، فلو كنت حزينا فإنك لن تستطيع التحول الى الفرح بضغط  زر الشعور وحسب ..

بل ستعمد إلى تغيير "خبرة الوعي " الخاصة بالحزن .. فتلعب دور المراقب لمشاعره ليصبح ذلك الحزن .. شيئا " مقدسا " .. وليتحول " لخبرة عميقة وناضجة"  تختبرها بأمان فتكشف لك هذه التجربة عن كل المعاني التي خلّفتها .. ستحول هذه الحالة  ( مشاعرك المشردة والسائبة ) إلى مشاعر مرتبة ومقدسة  قد تعبر عنها " بقصيدة تنضح شعرا " أو لوحة أخاذة " .. أو ربما عملا خالدا يحسبه لك التاريخ  .. سيعبر هذا الحزن في النهاية  ليمكث في دائرة القيم .. وليساهم في تتطورك من دون أن تشعر لينقلك للمستوى الذي يليه .

لنتجرأ إذا ولنعييد تعريف التغييرعلى أنه: (القدرة على قلب حالة الوعي التي نختبر منها الأحاسيس إلى خبرة وقّادة قادرة على تحويل الشعور السائب إلى شعور مرتب ومقدّس وهادف)

 عندما نصل لهذا البعد العميق من الفهم سنكتشف بعد فترة أنه من الممكن التحكم بمشاعرنا وتغيير ترددها وتوجيهها لخلق مشاعر أخرى تخدم أهدافنا.

ولأن التغيير داخلي الصِّبغة ،، بؤري الطبيعة .. فإنه يبدأ عميقاً وصغيراً ثم يأخذ بالإتسعاع والإنتشار .. وهذا ما يدعى "بالنضوج ".. الناتج عن تكوّن التجربة في بيئة حاضنة للتعلم .

في نهاية المطاف ،، نحن لا نريد أن نعرف ما يحدث أثناء رحلة التكوين بل نريد أن نطبق تلك المعرفة باحتراف المحاولة والخطأ لنصل إلى الحكمة والتمكين. 



#دعاء_العواودة 

#القاهرة 






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

أنا وشيء من وجع