لحظاتك الغارقة أو الفارقة





تعبرنا كل يوم.. الكثير والكثير من أسراب اللحظات .. 

بعضها عابرة وسريعة وباردة ،، وبعضها الآخر مؤلمة وحادة وجارحة .. وهناك لحظات هادئة ودافئة تفيض حباً وسكينة .. 

إنها اللحظة،، تلك النّسخة الحيّة المصغرّة لوجه التاريخ .. تلك المساحة التي تتشكّل فيها الفوارق الزمنيّة لحياة الأفراد والأمم .. كم يلزمنا أن تكون (فارقة) لتُنبّئ لنا عن مجدٍ يُسعفنا. 

لا شيء على مرّ التاريخ يصبح تاريخاً فارقاً إلاّ إذا تمّ غمسه وإغراقه في حمض " العاطفة الجيّاشة " .. 

ولك أن تختار مادة تلك العاطفة التي تنوي بها تخليد لحظاتك الفارقة .. عاطفة الحب الشديد أو الحزن الطاغي أو ربما الغضب العارم .

أن تصنع لون مزاجك وتصبِغ عاطفتك بما تشاء.. أمرٌ يرجعُ لنوع برامجك الفكرية التي تحملها عن نفسك وعن الحياة. 

فلو نظرت داخلك لوجدت أن عملية" تخليد اللحظات " وتحنيطها تتم في" حرم الأوقات المشبعة بإحساسك المستغرقة بحضورك " .. من هنا فقط يتم تسطيرُ تاريخك .. ومن هنا أيضاً يتم فتح بوابة ذاكرتك كمتحفٍ .. يتعامل بعنايةٍ مع مكنوناته وكأنها خلقت للبقاء وحسب. 

أن تتنفّس اللحظة وتعيشها.. أمرٌ يدعوك لأن تهيء الأجواء لولادة تاريخك ونقش تقويمك كما أردت له أن يكون. 

 شيئان يحسمان أمرك ويحددان مصبّات توجهك الذهني ،،

أن تكون قادراً على أن ( تتصل وتنفصل ) ..!!

" تتصل بالآن".. " وتنفصل عن الأنا ". 

بكل ما تحمله " أناك " من زيف وأنانية وخداعٍ وخوف،، أن تدرك بأنك أنت بشكلك المحدود لست أنت.. أن تلمس روحك الحقيقية وتعي من أين تخرج أفعالك وما الذي يحرّك سلوكك نحو كل ما في الكون. 

أن تتصل بطبيعتك دون أقنعة تشوّه وجهك الصادق الذي ولدت عليه ،، دون جراحات تغيّر طبيعتك الصافية التي تتحرك وفق حب الله .. أن تتماهى مع الفطرة وتتسق مع الفكرة.. أن تخلع رداء كِبرك وتشبّثك بنفسك.. أن تتحرك بعيداً عن مخاوفك .. أن تنهي صراعاتك البائسة وحروبك اليائسة مع نفسك لأجل نفسك .. 

أن تغيّر محطتك وترتب خطتك .. لتنطلق أهدافك وتعاملاتك مع الحياة من منطق الحُب والخير والوفرة  .. أن تتصل بخالق الوجود وتؤمن بأن لن يضيّعك المعبود ،، أن تعبُر جسر الحياة بنفسٍ راضية بالأقدار وعينٍ مشبعةٍ بعطاء الرحمن لا يسد جوعها سهم عينٍ أو حسد ،، وروح تسيرُ بخفّة لا تقوى على الأوزار .. لا تحمل أوزان كراهية أو بغض أو حنَق .

عندها فقط ستتمكن من معانقة اللحظة والعيش بكامل وعيك والحضور بكل تفاصيلك ،، ستشعر أنك تتواصل مع الوجود بكل حذافيرك لتنهل من طاقة الخير ما يكفي لملئ خزان روحك الظمأى .. 

عليك أن توقن بأنه لا يمكن إختصارك بذاك الجسد الذي تنتهي حدوده عند مستوى ناظريك .. لا يمكن إختزالك بإسمك ولا بمركزك أو هويتك .. أنت أكبر من ذلك بكثير ،، 

أنت " الخليفة  " الذي انتدبه الإله في الأرض 

أنت " القوّة " التي أوجدها الله لتعبد وتعمّر .. لتبني وتعبِّر

أنت سرٍ من أسرار الوجود .. وفيك انطوى هذا الكون الموجود. 

فأرجوك ،، إحرص على لمس لحظاتك وتدرب على الإستغراق في محيطها الواسع.. لتنحت بفوارق الزمن واجهة تاريخك الباقي ،،

إصنع لحظاتك التي ستتكيء عليها بقية العمر وستتوكؤ عليها لتجتاز وعورة الأيام .. إجعلها فارقة ودافئة ومليئة بالدهشة والإثارة والحكمة ،، تخيّر لجدران الذاكرة ما سيحويه من متعلقات تخصّك.. فأنت البقية الباقية مما مكث من أحاديث ومواقف علِقت في سنانير لحظاتٍ كانت يوما " فارقة ". 


#دعاء_العواودة 

القاهرة 









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

أنا وشيء من وجع