الإلحاح ومادة التغيير/معدّل



أتساءل ..

لماذا تفشل جهودنا في التغيير

أو لا تتم بشكل كامل؟ 

لماذا نصل أحيانا متأخرين للتغيير المطلوب؟

ما أكبر خطأ نرتكبه عندما نحاول التغيير؟


بعد بحوثٍ مطولة لعلماء وكتاب وباحثين ؛؛

وجدوا أن " مادة التغيير " نادرة أو بالأصح لم يتم التنقيب عنها بالشكل المطلوب .. هذه المادة توجد داخل كل شخص منا وتظهر بوضوح في الأرواح المثابرة والمصرّة على تحقيق أهدافها لتقديم خدمة جليلة لهذا العالم.

 هذه المادة تدعى ؛

" الإلحاح "

شعور داخلي يلحُّ عليك أن تفعل شيئا مهما وذو قيمة.

الإلحاح : شعور نبيل وتوجه ذهني لا يعالج الأمور الحاسمة وحسب بل " والمهمّة ".

" الشعور بالإلحاح "يقابله على النقيض مستويان من الشعور

1. الرضا بالوضع الراهن

2. شعور الإلحاح الزائف

في عالمنا اليوم باتت عجلة التغيير أكثر سرعة ووحشية كل شيء من حولنا يتغير بشكل مفرط وهذه السرعة والقوة تتطلب منا أن نجاريها داخلياً ،، الأمر يبدأ بشعور عميق وإيمان دفين بأن هناك " ضرورة مُلحّة" للتغيير والتحرك السريع والمدروس.

نبدأ .." بالرضا بالوضع القائم "

هذا المستوى الخطير والصامت من الشعور بالارتياح والرضا قاتل وكارثي .. غالباً ما ينجبه لنا ( نجاح سابق ) أو سلسلة إزدهارات ماضية .

يمكن أن نتذكر ما حدث مع شركة نوكيا..وكلنا يعلم قصة حياة هذه الشركة من الازدهار إلى الإبادة .. الخلل في اندثار هذه الشركة ..كان سببا خفيا وقاتلا وبنفس الوقت مريح وهادىء. إنه وباء" الرضى بالوضع القائم"دون الإلتفات لهدير عجلة التغيير الساحق الذي يحدث في الخارج. 


أما الوجه الآخر للوباء ونقيضه على مستوى الشعور شيء يدعى " الإلحاح الزائف" إنه عكس" الرضا ".. غادر ومزيّف ؛؛

انظروا إلى وجهه كي تعرفوه حين يصادفكم ،، يأتي على هيئة جدول مضلل مليْ بالمهام " المهمة والتافهه" العاجلة والطارئة.. أنشطة محمومة وهائجة في كل مكان وحركة عشوائية في مسارات تحقيق الهدف.. هدر واضح للجهود والموارد بحجة الإنشغالية على حساب الإنتاجية. 

أنشطة مدفوعة بالقلق والهيجان والغضب لا تصب في صميم الهدف ولا تصمم على الفوز .. شعور محموم وأنشطة مضطربة :

الإسراع من اجتماع لآخر

إنتاج كميات كبيرة من الأوراق

التحرك بسرعة في حلقة مفرغة .. " التحرك العاتي "وهو أشبه بالرياح العاصفة التي تحرك كل شيء بعشوائية تعجز عن تدوير شفرات طاحونةٍ هوائية تحيل القمح لطحينٍ يصنع منه قوت الشعوب.

هذا الإلحاح الزائف أسميه " الإنشغالية "عكس الإلحاح الحقيقي والمدروس والذي نطلق عليه" الإنتاجية ". 

فرق أن تكون مشغولاً ..تهدر الوقت والموارد والجهود بدون إنجازات  وبين أن تستغل الفرص والجهود والإمكانات بإحراز نتائج حقيقية وملموسة أو محسوسة.

" أن تكون مشغولاً ليس بالضرورة أن تكون منتجاً " هذا ما يقوله الواقع .. 

الإلحاح الحقيقي أصبح ضرورة اليوم في عصر النمو المتسارعاً فالتغيير قد تحوّل من ( العرضية إلى الإستمرارية).. والمحافظة على هذا الشعور الحقيقي أصبح ضرورة .. لم يعد من عناصر ومقومات النجاح وحسب  بل أصبح أحد الأصول الأساسية بوجه عام .. أصل لا يمكن الإستغناء عنه. 

 إليكم الآن مجموعة من التكتيكات ..تساهم في خلق هذه المادة القوية من الشعور " المُلحّ البناء" في عدة خطوات :


١. ( إستيراد الخارج إلى الداخل ) 

يمنحك هذا التكتيك فرصة واعية لتقليل فجوة الإنفصال بين الداخل والخارج وهذا يخلق شعوراً بالإلحاح لرؤية التحديات والفرص الموجودة في المحيط الخارجي . 

يخلق الإنفصال داخل المؤسسات الكبيرة  بالذات صاحبة العلامات التجارية المعروفة واقتصاديات التوسع الحجمي بيئة معززة " للرضا بالوضع القائم" ذلك الشعور الزائف والمخدّر .. 

والذي بدوره يلغي الحاجة للشعور بالإلحاح مما يضعف بصيرة المؤسسة في رؤية الفرص والأخطار المتربصة في الخارج .. في محيط السوق والمنافسين. 


لكن من حسن الحظ أن العقليات الفذة أدركت ذلك مبكراً .. ونتذكر هنا مقولة لربّان التكنولوجيا الحديثة ستيف جوبز عندما قال ذات مرّة عن آبل أنها :

" أكبر شركة ناشئة على سطح الأرض" .. 

إعتناقه لفكرة أن شركته ستبقى في حالة تعلّم ونمو أضفى عليها صفة النضارة والفتوّة والمرونة .. 

وعلى نفس المنوال عندما تنظر لنفسك على أنك مشروع ناشئ طيلة عمرك ستحافظ على عنفوانك وشبابك ورغبتك في التطور والتكيف.. أن تضع نفسك في مرحلة تجريبية مستعداً لخوض المغامرة ومتأهب للمحاولة ولمس الإكتشافات وتحرير ملامح الدهشة لمحيّاك ،، تجعلك في حالة تحسّن وتوهّج مستمر .. 

هذا ما حدث مع العملاق " جيف بيزوس" _ المؤسس والرئيس التنفيذي لموقع Amazon. com عندما قال :

" بالرغم من أننا متفائلون فإننا لا بد أن نتوخى الحذر والحفاظ على ضرورة التعامل مع الطوارئ" 

بمعنى آخر :

" لن يتم الإنتهاء من موقع Amazon أبداً.. إنه اليوم الأول له دائماً " . 

باعتبار أن كلمة finish أو" إنتهى" تعد كلمة بذيئة عند رواد الأعمال .. لأن العمل متواصل بإستمرار وكل يوم يقدم فرصة تعلم لتنجز أكثر وتتقدم أكثر .. 

وبقاؤك في مرحلة " تجريبية دائمة" يبقي شعورك بالإلحاح مشتعلاً وهذا يمنحك فرصة النظر لعيوبك وأنه ما زال هناك متسعاً لتخوض الإختبارات والتجارب لتصحح وتتطور وتتأقلم. 

ما يريح حقّاً في هذه الحياة أن ( التغيير متاح دائماً).. وهذا يعني تنمية ذاتية مستمرة ،، وهو ما يبني العقليّة الريادية المتفائلة والمؤمنة بالنّماء للذات وللعالم. 


إحضار الخارج إلى الداخل يتمثل في :

* إرسال العاملين إلى الخارج

* إستيراد العملاء إلى الداخل

* إستيراد البيانات ذات الصلة بأسلوب لافت

* الإنصات للموظفين المتفاعلين بشكل مباشر للعملاء

* تصميم فيديوهات عن الخارج تشرح نظرة العملاء للداخل

* مشاركة العاملين الأخبار والبيانات المثيرة للقلق بدل حمايتهم من معرفتها. 

* تغيير المرئيات التي يعلق عليها تاريخ الشركة وفلسفتها وجعل تلك المرئيات مليئة بالإثارة والفائدة والتحديات التي عصفت بالشركة وجولات التغيير والتحسين التي ظفرت بها في مسيرتها .. 

بذلك يمكن أن تُحدث المرئيات فرقاً ،، بحيث تعطي المتلقي إشارات تخبره عما يحدث في الخارج ومدى إرتباط المؤسسة بمحيطها.


٢. التكتيك الثاني ( تصرّف بإلحاح كل يوم )

تخبرك الحكمة أن عليك التحّرك ،، التحّرك الدائم والحثيث .. لا تقف ساكناً أمام هرولة العالم نحو مجده .. لا تسمح لأقدام الزمن أن تدهسك تحتها .. إستجب بسرعة وتحرك الآن.

تأكد بأن " الشعور بالإلحاح " من الأصول القوية والمطلوبة بشكل متزايد في عالم متقلب وسريع وأهوج.

التحّرك الذي أعينه هنا لا يعني التوتر أو هدر الطاقة والتظاهر بالإنشغال .. وهو ما يسمى" بالإحساس الزائف بالإلحاح ". أقصد التحّرك المدروس والممنهج والأداء الفوري والقوي هذا ما يخلقه الإلحاح الحقيقي .. 

فالإنجازات العظيمة يمكن أن تتطلب منك سنوات للعمل والحركة الدائمة المدروسة بصبر وحكمة ،، الحركة هنا لا تعني السرعة وحسب بل تعني أن تتصرف بإلحاح مع وجود نظرة واقعية لعامل الزمن.

ما يعني أن تعترف بأنه قد تكون هناك حاجة لسنوات من العمل والإنجاز لتحقيق أهداف مهمة وطموحة. 


٣. التكتيك الثالث ( البحث عن الفرص في الأزمات) 

ينقسم الناس في الأزمات فمنهم من يرى أن " الأزمات أحداث مروّعة"والقسم الآخر وهم قليلون يرون الأزمات أرضاً خصبة للفرص وبيئة حاضنة للتطور والنمو. 


والإدارات الحكيمة ترى أنه.. 

" لا يمكن تفادي الأزمات لكن يمكن إدارتها" .


في الحقيقة يتطلب التعامل مع الأزمات حساسية عالية وحكمة بالغة للإستفادة من شرارتها بطريقة لا تحرق العاملين ولا تطفيء شعلة الإلحاح المهمة للتغيير على الجانب الآخر.

فن تحويل الأزمة لنعمة تخدم المصالح وتعجّل في نمو الوعي يحتاج لعقلية قادرة على صياغة الواقع وصناعة الفرص والإستفادة من بيئة الصراعات والأزمات النشطة والمحمومة بالتغيير والمساحات الجاهزة للتطور.

تلك العقليات لاترتعب من الأزمة ولا تفاقمها.. وبالمقابل لا تتدخل بشكل عشوائي لإطفائها والتحكم بأضرارها.

بل تتحرك بحكمة ووعي ودراسة.. عقليات تتأمل التفاعلات النشطة للناس في المنصات المحترقة .. وتراقب السلوك وتنتزع ثمار الفرص الناضجة من بين أسنان اللهب والغضب ،،

ثم تقيس مستويات الوعي عند الأفراد .. وتكتشف منافذ النجاة .. ويهيء القيادات الواعدة لضبط الموقف.. ترى ببصيرة الإختراقات والتجاوزات المؤخرة لللنهوض ،، ومواطن الأعطاب والعيوب المعرقلة للتقدم . إنها باختصار عقول " تكبر في رحم المخاطر".


خلاصة القول :

إبقِ الشعور بالإلحاح وضرورة التغيير والتكيف فعّالة في مؤسستك بشكل طبيعي ومتوقع .. 

وعندما تنشب الأزمة لا تركن كثيراً على نظم الرقابة الإدارية وخبراء مكافحة الأضرار رغم أهميتهم البالغة إلا أنهم يدعمون الرضا بالوضع القائم  ..ويعمون البصائر عن فرصة النمو في الأزمات .. وبإتباعك لهذه النصائح قد توفَّر لك أسباب النجاة:

* لا تنتظر حصول الأزمة التي قد لاتأتي أبداً ،، إفعل شيئا وأجلب التحديات الخارجية للداخل إن نفِذ شوك الطريق المؤدي لهدفك. 


* إن كنت تفكر بخلق أزمة لزيادة الإلحاح الحقيقي كن حذراً من خطر فقد السيطرة أو ردات الفعل العنيفة.. لا تشعر العاملين بأنك تتلاعب بهم. 


* إدارة المنصات بعد إحتراقها بفعل الأزمات يتطلب عقلية منفتحة وحكيمة ترصد المنصة وتتعامل معها بشكل جيد حتى لا تتحول تلك المنصة المنكوبة لساحة خوف وغضب ولوم يصيب نشاط الأفراد بإختلال وظيفي وتخلق إلحاحاً وهمياً وزائفاً بالتغيير. 

في نهاية المطاف ،، لا يسعُ القول إلا أن الإلحاح لا يبقى صامداً لوقتٍ طويل أمام سطوة الواقع الرتيب والروتين القاتل ما لم يتم إنعاش تلك المادة الأصيلة للتغير بشحنات الجهد الواعي والمدروس لتصبح " مادة الإلحاح " من صلب ثقافة المؤسسة وخِلقة تكوينها .. فكل القوى الطبيعية من حولنا تدفعنا نحو الإستقرار والرضا بالوضع القائم وهذا ما يوصلنا إليه " النجاح" أو بالأحرى " الركون للنجاحات السابقة " .. الفوز في بعض الأحيان قد يكون مصيدةً لجهودك ،، إذ أنه يعطي إشارةً للعقول بأن الأزمات قد انتهت ولا حاجة لمزيد من التضحيات .. حينها يصبح (النجاح قاتلاً للإلحاح). 

الفوز الكبير قد ينحدر بإلحاحك إلى رضا جديد بالوضع القائم وهي مشكلة المشكلات في عصر مصاب بحمى التغيير. 



#دعاء_العواودة 

القاهرة









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

أنا وشيء من وجع