الماركة والسمعة و( طفرة التموّض )





ما أن يبدأ الحديث عن الماركات والعلامات التجارية .. حتى يبدو الأمر مشوقاً .. هذا ميدان التفاخر والتميز والتنافس ...
شيء ما طاغٍ وملاصق لأوتار العاطفة يعبّر عن نفسه هناك بالقرب من نبضات الولاء .. الولاء للماركات ؛؛
إنه الشعور بالذات والقيمة الشخصية !!!
قوة هائلة تجذب رغبات المستهلكين لعالم من الغنى والأناقة والرقي؛؛ ففي تصورهم أن تمتلك حذاءً رياضيا فاخرا من ماركة مشهورة او بتصميم يعبر عن هوية لاعب ؛؛ يجعلك تشعر بأنك تختصر خطوات النجاح في قدميك ..
أليس هذا بغريب ويدعو إلى التعجب!!

إنها الماركة ؛؛
إنها العلامة التجارية؛؛

الفكرة المسموعة أو الصورة الذهنية عن منتج ذائع الصيت نقع في حبها وندفع لأجلها الكثير من الأموال بغية اقتنائها والتفرد في التميز والتنافس في امتلاكها ... لماذا؟

هكذا ؛؛
تستحوذ علينا الماركات وتجعلنا ننتسب إليها بدون وعي ..
فهذا الفن العريق في الجذب والتأثير بالصورة والكلمة بمعناه الحقيقي يعني :
" البراعة في تحويل المنتجات إلى انتسابات " ومن ثم إلى كيانات ننتمي لها إن صح التعبير ..

في عالم الأعمال اليوم لم تعد الماركات حكرا على المنتجات فحسب ..
بل أصبحت الخدمات أكثر ابتكارا وسيطرة .. وأصبحت لها ماركات ...

تأملوها ..
ليست القضية في الماركة أو العلامة التجارية ؛؛ بل هي أعمق من ذلك .. إنها السمعة  تلك الصورة الذهنية لمنظمات الأعمال التي تقودها العلامة التجارية ..إنها القيم الاستراتيجية والثقافة المؤسسية التي تبرزها المؤسسات ومنظمات الأعمال من خلال علامتها التجارية ..
فالسمعة هي المادة الخام التي تصنع منها مجوهرات الماركة والتي تتشكل منها كنوز الهوية ؛ لتغدو أغلى موجودات المنظمة غير الملموسة على الاطلاق ..

يقال ؛؛
" كي تحافظ على ميزتك التنافسية فأنت بحاجة لرأس مال كبير من السمعة "

نعم ..
هكذا تسجلّ الملكيات في قلوب المغرمين بسحر الماركة ..
وعندما أدرك المخضرمون من رواد الأعمال قيمة هذا المعنى شرعوا في العناية " بسمعة شركاتهم " وبناءها وإدارتها وبذل المزيد من المجهودات العميقة لتصبح تلك الشركات أكثر تعبيرا وشفافية فهذا ما يجعلها تبدو أكثر نقاءً وبقاءً ..

هكذا تعبّر الشركات عن نفسها من خلال
" المنتج " أو " الخدمة " ؛؛
فبقاؤها مرهون ببقاء المُخرج وازدهاره ونموّه ؛
فها هي ماركة " مرسيدس " تتربع عرش هندسة صناعة السيارات ..
تتباهى مرسيدس بمنتجها وبأدائه ومظهره وسعره وقوته وديمومته ..
لقد رأت مستقبلها بشكل واسع من عدسة تلك القوى الخارقة للمألوف ..
فكرّست بشكل مطلق وثابت جهودها نحو " النوعية " فكانت النتيجة ..
( فكرة واضحة المعالم ) مرخّصة الهوية .. فآمنت البشرية بجودة الصناعة الألمانية وانتمى الكثيرون لفلسفة صناعاتها التي تقوم على الأفضل والأقوى  والأغلى ثمناً .. أليست ألمانيا الآن تعرف بالمرسيدس ... ألم تمنح جودة المرسيدس ختم الجودة وضمانها للصناعات الألمانية ... ومثلها تويوتا اليابانية والهيونداي الكورية

كيف تبنى السمعة إذا ؟؟
ومن أين تنبع؟؟
السمعة القوية تبنى من الداخل حيث القيم الثمينة والثقافة والتوجهات المتينة ..
في الغالب تتبع منظمات الأعمال المثالية ذات السمعة الأكبر نموذجا يرتكز على " الهوية " أكثر من نماذج " ردة الفعل " وفحص الإدراكات الخارجية للمستهلكين والمستفيدين ..

يقول حكماء الأعمال :

" تريد أن تصمم سمعة ذات تردد عالي ؛؛ ألقِ أولا نظرة عميقة إلى الداخل "

من المهم الإشارة إلى أن " سمعة المنظمة "
هي مجموع إدراكات الخارجيين حول أبرز الصفات التي تتمتع بها الشركة والتي تعكس احترامها العام من قبل مساهميها المتعددين.

ولما كان للسمعة هذه الأهمية اقترح الباحثون في النظريات المؤسساتية والأدبيات الاستراتيجية طريقتان تكون بهما السمعة ذات أهمية :

أولا ؛؛
ان السمعة (ذات قيمة) ولها تأثير جوهري على الشركة

ثانيا ؛؛
ان السمعة تشكل مصدرا هاما للشركة من ردود الأفعال المباشرة للمساهمين

لذلك ؛؛
نرى ونسمع وندرك في ميدان الأعمال أهمية الحفاظ على السمعة وتنميتها وأن أي مساس في سمعة المنظمة يهدد مصالحها وينذر بخسائر مالية فادحة والعكس صحيح .
فالفوائد المالية تعمل بشكل طردي مع السمعة

تقول خلاصة الخبرات الانسانية والمؤسساتية ؛؛
إن بناء السمعة يبدأ بتفهّم حذر لتوقعات أصحاب المصالح فهي المصافي التي من خلالها يتم تصنيع المعلومات حول الشركة أو المنشاة فمن هذه المصافي يتم تقييم سمعة المنشأة والمرحلة الأولى لهذه العملية تدعى :

1. *مرحلة الاستماع*
ويتمثل في تفاعل متأن مع أصحاب المنافع كي تستطيع المنشأة فهم المعايير التي ستقيّم أعمالها من خلالها.

باختصار ؛؛
الاستماع يساعد في تصميم الخارطة المعرفية لوجهات نظر المستفيدين وأصحاب المنافع واستخدام هذه الخارطة كدليل للتموضع الاستراتيجي
منظمات الأعمال الجادة والناجحة في بناء السمعة تتخذ من مرحلة الاستماع مدخلا حرفيا نحو " القلب " وإلى لبّ القلب وأعماقه لتخترق نشاطات عمل المنشأة.

ثانياً ؛؛
2. *مرحلة الوجود* :
أو مرحلة إعادة فحص الإطار .. إن للسمعة إطار عمل يعمل ضمن الأهداف يضم تقاليدها وهويتها وطموحاتها المستقبلية
سميت هذه المرحلة " بالوجود " لأن المنشأة تعتمد فيها على تاريخها واستراتيجيتها للتعريف بنفسها.
ولأنها تعكس جهودا حقيقية لإدارة ثقافة وهوية المنظمة .
من مرحلة الوجود تستقي المنظمة مخزونها من الاعتقادات للإجابة على سؤال .. " من نحن ؟؟ "
وما نقوم به ككيان ؟؟

" في اللحظة التي تتوافق فيها توقعات أصحاب المنافع مع أعمال المنظمة نستطيع القول بأن المنشأة على قيد إحياء السمعة "

ولنتذكر ؛؛
" أن معتقدات أصحاب المنافع حول المنشأة يعكس بدقة الهوية المملوكة داخلياً للمنشأة "

وعملية بناء المعتقدات تتطلب درجة عالية من مباديء الشفافية والتعبيرية  في عملية التواصل مع أصحاب المنافع بعيدا عن سياسة *خطف الانتباه* وانتقاء الانطباعات المفضلة .

3. *مرحلة الاتصال* :
وتتضمن هذه المرحلة تفاعلات معبرة مع أصحاب المنافع تنقل المنظمة بواسطتها مبادئها ووصفها فالمنظمات تعمل بحسب مبادئها وهذا ما يجعل محتوى اتصالاتها شرعيا .
فعن طريق الاتصالات تعكس المنظمة هويتها وتؤكد على وجودها وأسلوبها في مخاطبة أصحاب المنافع ..
فتلجأ لطريق الاعلام والتأطير والشرح والتجميل وتمثيل الأعمال بالرموز ..

لقد أصبح من ضروريات عالم الأعمال اليوم ؛؛
تشكيل إدارة للسمعة يتبنى بشكل أساسي النموذج الثلاثي لبناء السمعة :
* تقييم الحالة الجارية للسمعة وحالة المنافسين
* تحليل الحالة المستقبلية المرغوبة للسمعة
* توضيح الاسقاطات التي يمكن تحريكها من موضع لآخر

متى تخسر الشركات سمعتها ؟؟

يحدث ذلك عندما تفقد اتصالها بأصحاب المنافع .. فالشركات ذات الاستراتيجية الشاملة للسمعة أكثر تصريحا في إيصال المعلومات لذوي المنافع ليس حول منتجاتها فقط بل .. حول طبيعة أشغالها وهويتها وتاريخها أيضا ..

في الحقيقة يمكننا ان نجعل من إدارة السمعة مؤسسة عريضة عن طريق خلق الانسجام بين إدراكات ذوي المنافع عن المنظمة وتوقعاتهم منها وبين الحقيقة الداخلية لها .
عدم الانسجام يفقد الشركة الاتصال بروحها الداخلية او " قلبها النابض " ..
مما يؤدي إلى افتقاد الشعور بالذات " الهوية " المنعكسة للعالم الخارجي ؛

وهنا ..
يحدث الانفصال وتتكون العتمة وتفقد المنظمة شفافيتها ووديتها مع المتعاملين معها.

وأخيرا ؛؛
أصبحت منظمات الأعمال اليوم معنية بصورة متزايدة " لإدارة سمعتها " .. فالسمعة الجيدة رأس مال غير ملموس يساهم في التغلب على نمو المنافسة بالأسواق العالمية ؛ والذي سيساهم أيضا في التقليل من التهديدات التي تنشأ من الاجراءات العنيفة التي تفرضها التغطية الاعلامية والتي تجبر المنظمات للعمل في عين الجمهور لتبقى حيّة في الأذهان .

في النهاية ؛؛
كي تؤثّر منظمات الأعمال على ..
" كيف تريد أن تُفْهم ؟؟ " أو كيف تريد أن تبدو أمام عملائها
فعليها أن تغيّر من ..
" من تكون ؟؟ "
من هنا تكون قد انتقلت تلك المنشأة من الاتصال النمطي التقليدي إلى الاتصال المعبّر والشفاف الذي يخلق شعورا أكبر بالثقة والالتزام من قبل أصحاب المنافع . وبالتالي ... تنمو سمعتها ... الاتصال ... سحر السمعة .. ومقياس حياتها .. كلما كان الاتصال حيا ومنظبطا كانت السمعة حية وقوية

وهكذا ؛؛
تبقى " جوهرة السمعة " نقية .. لامعة .. وشفافة .. وغالية الثمن مهما تدهور السوق .

السمعة إذا يا سادة  ؛؛
مصدر جديد وثمين للميزة التنافسية يستغله جيدا أصحاب الادراك الفريد .

اعتنوا بسمعتكم ... فهي تستحق

بقلم ..
دعاء العواودة
مستشارة تطوير قيادي وإداري

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

أنا وشيء من وجع