القائد التحويلي والمهمّة الأولى

القائد التحويلي؛؛
" المهندس الجيني للشركات البيولوجية "

أو كما أحب أن أطلق عليه ..
" القائد الحديث " القادر على خلط المفاهيم الجديدة في علم القيادة والأعمال لإحداث طفرة جينية تُخرج منظومة العمل من "الأُلفة" مع المفاهيم التقليدية لمواجهة تحدي التحويل على أوسع نطاق.

هذا الدور الجديد للقائد العصري يجعله مؤهل لخلق وإدامة الأثر الجيني للشركة "Brand"  كي تبقى حية وفريدة وقادرة على المنافسة.

وتتلخص مهام القائد الحديث :
- بإعادة الاتصال بالمجتمع البشري الذي يقود عملياً عملية التحويل.
- خلق وصلة أثيرية بين التكنولوجيا والإنسان ونسج (العمل التقني) بشعور الإنسان.
- التزامن،، والذي يكمن في النظر والعمل داخل كل المنظومات في وقت واحد ورصفها بشكل منسجم أثناء عملية التحول وهذا هو التحدي الأكبر.
- تحويل وتجديد روحية الأعمال والذي يتطلب إحداث تغيير في العلاقة بين (المجتمع والشركة والفرد) بما يضمن تطورهم وازدهارهم ونموهم.
ولعلّي ألقى الضوء على التحدي الأكبر الذي يواجهه القادة التحويليين اليوم إنها " المهمّة الأولى" لهم ..
تبنّي برنامج [تحويل الأعمال] لإحداث طفرة جينية في الشركات البيولوجية.
برنامج تحويل الأعمال" علم منهجي حيّ " تترجم فيه الإستراتيجيات والرؤى إلى برامج عمل ، إنها منظومة مجربة وممتحنة وتعد عاملاً قوياً في إرتقاء الشركات واستدامتها ونموّها بل وبقائها.
هذا البرنامج يجعل بعض الأسئلة المهمّة تتداعى أمام ناظريك ..
- كيف نصل إلى النهايات المغلقة؟
- وماهو دور القائد في " كيمياء التحوّل"؟
وغيرها ..
سأعرض لكم في هذا المقال (النموذج البيولوجي لتحويل الأعمال) ..
والذي يتضمن أربعة فئات مهمة تساهم في حدوث التحوّل المطلوب.
ولكن قبل ذلك علينا أن ندرك أن نموذج الأعمال اليوم لازال مستوحى ومتجذر من نموذج أعمال العصر الصناعي ..
وفي عصرنا الحالي لايكفي إدارة تدفق المعلومات وحسب باعتباره نموذج أعمال اتصالاتي ومعلوماتي وتقني،،
لا بد أن يتغير دور الشركات داخل المجتمع بشكل أكثر حيوية ..
فما يحدث في عالمنا اليوم من ثورة معلومات لا يعدو كون ماكينة التواصل العملاقة قد تحدّثت وأصبحت أكثر سرعة وجرأة ..
وهذا حدث طبيعي لحركة التواصل بين البشر منذ الأزل فلو رجعنا للقِدم لوجدنا أن التواصل البشري مرّ بمراحل تطوّرية تنقلت بين الاتصال اللفظي ثم النّقشي يليه الكتابي فالتقني والذي تكوّنت على إثره الحضارات.
ما فعلته ثورة الإتصالات بنا هو تغيير إيقاع الحياة من العمق،، وذلك تجلّى في " التحوّلات الإجتماعية" الذي لا بد للشركات المخلوق الأساسي في عصر الصناعة أن تتكيف معه فانتقلت من الصناعة إلى الإتصالات.
وهاتين الثورتين عندما ألقيا بظلالهما علينا أصبحت طبيعة العمل العصري تجمع بين الآلي والتقني مما أدى إلى تشويش الإتصال الإنساني وحدّت منه.
لذا كلّما اتسعت شبكة العمل تعاظمت الحاجة لحنوٍّ جديد؛؛
وهذا لن يحدث إلاّ إذا طوّرت الشركات " عقد اجتماعي" جديد تأخذ فيه على عاتقها تجديد الأفراد وإكسابهم الخبرة وإعادة ترسيم حدود مسؤولياتها بالإستغلال الجيد للموارد والحفاظ على البيئة.
ويمكن لهذا أن يحدث في بيئة أعمال تحويلية " تعيد تصميم البنيان الجيني " بسرعات مختلفة في وقت واحد على أربعة أبعاد :
1- إعادة التأطير : تمثّل " العقل"
2- إعادة الهيكلة : تمثّل " الجسد"
3- التجديد : يمثّل " الروح "
4- التنشيط : يمثّل " النموّ البقائي"

هذه المصفوفة رباعية الأبعاد تتعامل مع المنظمة على أنها جسم حي يحتاج بشكل مستمر لرعاية وعلاج (كليّاني) لتنبعث فيه الطاقة على كل الأبعاد فتسمح لطفرة التحوّل أن تحدث وللتغيير المتزامن أن يكون.
هذه الخبرات الأربعة تمثّل خبرات الحياة والتي تحتاجها الشركة البيولوجية لتبقى على قيد الإزدهار والنمو والتطور.

فلو تحدثنا عن إعادة التأطير فنحن نتحدث عن بناء عقلية الشركة للإنتقال مما هي عليه لما تريد تحقيقه ؛؛ وذلك بإحداث تطور على مستوى التفكير والوعي وتطوير نماذج عقلية جديدة تجدد عزم ورؤى الشركة.
ولأجل هذا العقل يأتي دور البُعد الثاني المتمثل في إعادة الهيكلة وامتلاك جسم إداري رشيق قادر على تطوير الأداء التنافسي ..
فإعادة الهيكلة والتسريحات المؤقتة للعاملين وتجديد الدماء في عروق الشركة تجعلها دوماً في صحّة جيدة.

يأتي بعد ذلك البُعد الأكثر صعوبة وبراعة والأعمق سبراً والأعظم قوّة إنها " الروح"،،
تجديد الروح البشرية يتأتّى باستقطاب أفراد ذوي خبرة ومؤهلات تسمح للشركة بأن تجدد نفسها..
أيضا بذر القيادات المعرفية واستحداث عمليات جديدة تساهم في بعث روح النشاط والهمة.
ثم ينتهي بنا المطاف للبعد الرابع ؛؛
تنشيط عمليات الربط الجسماني والبيئي وتحديد مصادر النموّ التي تدعم حالة التطور داخل الشركة والبحث عن مصادر تسريع عمليّة التحوّل والازدهار.

ولكن هذه الأبعاد الأربع تتطلّب مقوّمات تقود مهمّة إبراز " الخصيصة الجوهرية" لكائن الشركة الحي والذي يقابله في أجسادنا حمض ال DNA.
 هذه المقوّمات تعمل عمل الكروموسومات داخل الحمض النووي ؛؛ كل كروموسوم ينتج منظومة مشترك بيولوجي لكنها لا تعمل بشكل مستقل عن بقية المنظومات.
كل بُعد من أبعاد عملية التحوّل تشمل في داخلها 3 مقومات
(كروموسومات) وكل كروموسوم مشترك يحمل أثراً جينيّاً.

دور القائد التحويلي وفريق عمله إزاء كينونة الشركة البيولوجية هو العمل بصفته مهندس جيني مهمته :
" إقران الجينات الصحيحة من الكروموسومات في الشكل الصحيح بالوقت الصحيح بالمكان الصحيح لتمكين المنظمة البيولوجية من أن تتفاعل كروموسوماتها بشكل أفضل" .

 العمل الجوهري للقائد التحويلي هو [ برمجة شيفرة الشركة] وترجمة كل مقوّم أو كروموسوم إلى " مهمّة قيادية " عالية المستوى.
 أما المهمّة الجوهرية للقيادة تتمثّل في" إعداد المهندس الجيني الفريد " والذي يملك جينوم المشترك البيولوجي ولا ينشيء خليته في جسم المشترك البيولوجي ويعمل لوحده بشكل منفصل عن بقية المنظومات.

مرحلة التحوّل تلك مرحلة هامة وخطيرة تغادر فيها الشركات جدران حصونها الأمنية لتخترق أراضٍ جديدة لم تكتشف بعد وتلك المغادرة تتطلب مقاومة موجّهة لترك تلك الحصون ونبذ المعتقدات غير الخادمة والأفكار البالية.
مرحلة المغادرة أشبه " بالديناميت "المبهج الذي يحتاج لبداية شديدة التخبط والمقاومة والاندفاع لاختراق جدران القناعات العنيدة والعادات المتيبسة والانفعالات المتبرمجة والتحيّزات السابقة ..
إعادة التأطير والهيكلة من أهم الوسائل المعينة على تفجير ذلك الديناميت وقدح زناد البداية للتحرك للأمام ..
فنبدأ مع " عقل المنظمة " لبناء إطار عقلي عملي جديد والتحدي الكبير في هذه المرحلة يكمن في خلق (الثقة) في محصلة تحويل هائل.
البطولة ،،
تكمن في قدرة القائد التحويلي على تحفيز وتحرير من يتشبثون بالواقع ويستريحون للحاضر على حساب المستقبل.
وهذا كله يحتاج لترتيبات هيكلية تعيد التوازن لجسم المنظمة وتجعلها قادرة على اختيار قدرها الخاص عن طريق تحرير قدرتها على التغيير ..
مهمّة شاقة لإقتحام طريقة تفكيرها الراهنة ونزعتها العقلية واستخلاص العناصر المقيدة وإدخال مواد جديدة لإنشاء إطار عقلي عملي جديد.
إعادة التأطير يقودها ثلاثة مقوّمات :
1-التعبئة
2- خلق الرؤية
3- تأسيس نظام معياري لتغيير السلوك والإستشفاء

فالتعبئة واسعة النطاق ضرورية لتحويل نظام بأكمله وهذا يتطلب حشد القوى العقلية وحثّ العاملين طول عملية التغيير .. في هذه المرحلة يبدأ القادة التحويليون في التغلب على المقاومة النفسية والفكرية المرتبطة بالتغيير وذلك بغرس وتعهد بذرة الإيمان بالوعد بمستقبل مزهر.
يطلق على تلك المرحلة التعبئة حيث التهيئة والحرث وإعداد البيئة الخصبة استعداداً لاستقبال نواة الرؤية.
تأتي بعد ذلك الرؤية مرحلة البذر والإنبات والإزهار والتي تعطي للمستقبل مظهراً أكثر صلابة،، وتُسلِّح النظام بأكمله بإحساس الهدف،، حيث تتضح الغاية العظمى لدى العاملين ويصبح من الممكن إدراكها والإيمان بها وبلوغها.
ولدفع الأفراد نحو التغيير الحقيقي لابد أن يكون هناك " نظام معياري للمواصفات والقياس" يحرض العاملين لتغيير سلوكهم للاستشفاء وإكتساب روحية التنافس .

هذا ما يفعله البعد الأول " إعادة التأطير " في تفتيح عقل الشركة ومخاطبة إدراكها عندما تتوقف عند مرحلة معينة من التفكير.

أما ما يفعله البعد الثاني " إعادة الهيكلة " والذي يتعامل مع الجسم من الداخل فإن الحلول المقدمة يجب أن تُستثمر في معالجة جراح الشركة وتنشيط وتجديد مناعتها ولا يقف الأمر هنا بل يجب أن لا تغريها " المكاسب السريعة " حتّى لا تصل المنظمة للرضى المؤقت بل تستمر للوصول لمكاسب تغذي برامج التحوّل على المدى البعيد.
لذا تتحكم ثلاث مقومات في عملية إعادة الهيكلة تتلخص في :
1- إنشاء نموذج اقتصادي
2- رصف الأساس المادي
3- إعادة تصميم معمار العمل

النموذج الاقتصادي يخلق القيمة ويعمل بمثابة الوعاء القلبي الحامل للأكسجين والغذاء وضخ هذه "الموارد" لأنحاء الجسم باعتبار قيمي لتغذية الأماكن أكثر تطلباً واحتياجاً.
ثم يأتي الأساس المادي وإعادة رصفه وتصميمه ليصبح من أكثر المقاييس جلاءً ودلالةً على صحة المنظمة وتوجهها الاستراتيجي؛
إنه بمثابة الهيكل العظمي حيث تعقد عليه عضلات أي مشروع ،،
إنه يعبّر عن" شبكة التسهيلات " والموجودات من مباني ومخازن ومراكب ومكائن وعربات نقل تعتمد عليها معالجات التشغيل وعضلات أي مشروع.
لذا يجب على الدوام إعادة ترتيب تلك التسهيلات المادية وفقاً للإستراتيجية المتبعة.
أما المقوّم الثالث لإعادة الهيكلة فيتمثل بإعادة تصميم معمار العمل أو إعادة الهيكلة الكلاسيكية لشبكة العمليات والمعالجات التي تعمل بشكل معقد ومترابط ومتناسق بفعل سلسلة موحدة من الأهداف والمعايير لإنتاج سيمفونية من إبداع القيمة.

هذه العملية المعقدة لإعادة الهيكلة تجعل عضلات المنظمة في حالة تكيف مستمر للمتطلبات الملقاه على عاتقها وهذا يتطلب وجود بعد ثالث داعم للبعد الثاني يتمثل في بُعد التجديد وثلاث مقومات تقوم بهذه العملية أولها :
١. خلق بنية المكافآت
٢. تفعيل التعلم الفردي
٣. تطوير النظام

نظام المكافآت مرتبط بشكل أساسي في الأداء التنظيمي،
لذا لا بد من إعادة موازنتها مع أهداف المنظمة..
بحيث يكافأ المبدع ويشجّع المحاول ويسترضى العاملون بطريقه تساهم تشجيعهم على ربط مستقبلهم بمصير المنظمة التحويلي.
ولكي يحدث هذا التحويل التنظيمي كان لا بد أن يحدث التحوّل الفردي ؛ على مستوى العاملين والعملاء وذلك بتطوير التعلم الذاتي وإكساب المهارات عن طريق التعليم المتبادل.

الأمر يتطلب تطوير مستمر للنظام داخل المنظمة وخارجها فتتعهد الشركة إعادة تنظيم نفسها " للتعليم" فيكون بوسعها التكيف باستمرار بيئتها المتغيرة.
أما البعد الرابع " التنشيط" فيقتضي النمو والتركيز على المحيط الخارجي ،، وتتمثل مقوّمات هذا البعد ب:
١. تحقيق مرتكز السوق
٢. خلق أعمال جديدة
٣. تغيير قواعد اللعبة

تحقيق مرتكز السوق يكون بخلق القيمة والارتكاز على الابتكار لتوفير المنافع التي ينشدها العملاء والزبائن؛؛
ركيزة العمل هنا خارجية وتعتمد على حواس المنظمة لوصل عقلها وجسمها ببيئتها وتعزيز قنوات التواصل فيما بينها.
وذلك يحدث بتحديد حاجات العميل وتصميم سريع للمنتجات وإدراك التحديات والفرص مبكراً واعتبار المشاكل بيئة خصبة لولادة الفرص لإعادة النشاط للمنظمة.
يأتي بعد ذلك دور المقوّم الثاني لبُعد التنشيط والمتمثل بخلق أعمال جديدة والبدء بتشكيل عمل جديد من الصفر عن طريق إخصاب وتهجين القدرات المتناثرة والتجميع الخلاق لها؛؛ الأمر يبدأ بتزاوج أفكار المشاريع إيذاناً بولادة حياة جديدة إنه يشبه النشاط التناسلي في الإنسان وقد يتطلب هذا إنشاء تحالفات أو إندماجات أو شراكات وإكتسابات.

وما يجعل قواعد اللعبة تتغير هو تكنولوجيا المعلومات التي تفتح طرق جديدة للتنافس وتعيد تحديد قواعد اللعبة في أي صناعة إنها تعادل الجهاز العصبي في الجسم الإنساني حيث يربط هذا الجهاز كل أجزاء الجسم ويتيح اختبار الإحساسات القادمة عن البيئة.
وتبقى المهمة الأولى والتحدي الأكبر للقائد التحويلي وسر حياتها الأبدية يكمن في العمل المتزامن والمتوازن على كل أبعاد ومستويات المنظومة لتتراصف بشكل متقن أثناء عملية التحويل.

هذه هي المنظمات البيولوجية مستقلة الشخصية كاملة الإرادة حيّة الروح تولد وتنمو تمرض وتتعافى تنضج وتكبر تشيخ وتهرم وتموت ..
وفي النهاية " تخلّد في الذاكرة " أو تُنسى.


#دعاء_العواودة
القاهرة
13/4/2020

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تقنيات التدخل في التدريب

حوار " الآيكيدو "

أنا وشيء من وجع